الصفحة الرئيسية

العدد 77

اتصلوا بنا

 

أم الأبطال..حكاية صبر سطرها الزمن

 

العباس، عبد الله، جعفر، عون (ع)

أسماء خالدة ترددت في طف كربلاء..

نجوم متألقة تلألأت في سماء المجد..

نفوس أبية أبصرت طريق الخلد.. ففازت فوزاً عظيماً..

هم:

فــــــــوارس مــــن عليا قريش تســـــنــــــــموا مــــن الــمجد صعباً ظهره ليس يركب

أتوا في العلا ما ليس يدرى فأغربت معاني الثنا في مجدهم حيث غربوا

في أرض كربلاء.. لحظة ميلاد عاشوراء.. توالت تلك النفوس، وأضحت شموعاً متوهجة تنير الطريق من حولنا، تذوب تلك الشموع في قلب الدجى، تذوي لحظة بعد أخرى.. من أجل أن تحيي فينا عزة وكرامة..

تلك النفوس تألقت في نينوى لتروي بدماء شريفة أرضها. لتخط معاني الفداء على ثراها.. تلك النفوس بذلت أنفاساً زكية إعلاء لكلمة الحق التي أراد الطغاة إطفاء نورها، وحجب شعاعها عن العالمين .. ولولا شموس الطف لكنا نعيش الذل في بهيم الليل.. ونتجرع الهوان من فم الزمان..

تلك الشموس أفلت وغارت عن حياتنا، وما زال ضياؤها يصل لقلوبنا لتبعث فيها أملاً ودفئاً وحياة كريمة.. ولترسم للبشرية درب السعادة.. درب الحرية والإنسانية.

ويا ليت شعري!! من أين تولّدت تلك النفوس الأبية؟ ومن أي نبع نهلت معاني التضحية؟.

بل من أي شجرة طيبة مباركة نما غرسها؟ تلك الثمار الجنية أينعت من نبع علوي وسقي فاطمي، فالأم فاطمة الكلابية والفحل فيها حيدر الكرار، لا غرو أن يستمد هؤلاء الليوث من الأسد الضرغام.. كل إقدام وتضحية، وكل بسالة وشجاعة.

فهنيئاً لك سيدتي لفروعك الأصيلة، وجذورها المتينة، وبخ بخ لك يا أم البنين الأربعة أسودك الفتية، ونفوسهم الأبية.

يتعجب التاريخ ونتعجب معه من هذه السيدة العظيمة وما قدمته يوم الطف لأبي عبد الله (ع).. نتعجب من امرأة ولدتها الفحول لتلد أربعة فحول، تقدمهم كبش فداء لسيد الشهداء الحسين (ع) فتهبّ تلك النفوس لنصرته من أجل الدين، مهدية أروحها الهائمة في حب أبي الأحرار رمقها الأخير طائعة راغبة في السير نحو الخلود.. نحو جنان عدن أعدت للمتقين.

نحن بحاجة لوقفة تأمل، ولحظة تعجب نستوعب فيها عطاءها اللامحدود، ونعي حقيقة موقفها الخالد، المسطر على جبين الزمان، الراسخ في عمق الأذهان، نتعجب من صبرها الغريب، ومن صمودها العجيب، فلقد غلبت طوفان القهر، وتحدت رياح الدهر، بكل إيمان وصبر، ورسمت لنا سطوراً ذهبية، بقصائدها الصبرية، في ملحمة تاريخية.. فما تحملته هذه الأم الثكلى تنهدُّ منه الجبال هدّاً، لم تعبأ هذه الأم بمصابها الأليم وخطبها العميم بفقد بنيها الأربعة،بل سألت بإلحاح غريب عن الحسين (ع).. عن فلذة كبدها، مع انه ليس من صلبها، ما أن بلغها الناعي بخبر استشهاده (ع) حتى صرخت بقلب مفجوع، وفؤاد موجوع، ووجه مفزوع، ودمع مسكوب، وقالت كلمتها الخالدة: واحسيناه.. واحبيباه.. وا ولداه.. في هذه اللحظة وقف التاريخ احتراماً لها، ولعظيم موقفها ودويّ كلماتها.. كلمات تحولت لبراكين وصواعق أحالت العالم من حولها إلى هرج ومرج، وما زالت تلك الكلمات تدوي في عالمنا إلى اليوم.. هي كلمات لم تمت ولن تموت في الوجدان، وستظل باقية أبد الآبدين، وسيدة نساء العالمين الزهراء (ع) لن تنسى صنيعها هذا، فتقف يوم الحساب بين يدي ربها مطالبة بالقصاص والاقتصاص من قاطعي زنود ولدها أبي الفضل العباس رداً لجميلها الفريد.

فاضت تلك الروح العظيمة لبارئها مطمئنة راضية.. بعد عطاء وفير وجهاد مرير ضد جلاوزة البغي والظلم.. ضد كلاب وقردة بني أمية.

تلك الروح العظيمة وجدت طريقها في سماء المجد والعلا، والأرواح العظيمة لن تموت لن يخمد نورها الوهاج، بل سطرها الزمن في ذاكرة الأيام.. ومهما انصرمت السنين، وانطوت القرون ستظل كربلاء وأم الأبطال حكاية سطرها الزمن بحروف من ذهب.

سيدتي ومولاتي لن تموت روحك بعدما ضربت أروع الأمثلة في الفداء والتضحية.. لتفوح عبيراً وعبقاً تزيد حياتنا ألقاً وتوهجاً.. إني ذكرتك أم البنين مشتاقاً، والأفق طلق ومرأى الأرض قد راقا.

وحري بنا أن نقتدي بتلك السيدة الجليلة القدر التي بلغت شأواً من المجد أرقاه، وسكنت أعلاه.. لنسير على درب صمودها..

نسبر أغوار صبرها..

نكشف أسرار عزّها..

فلنعش أخية مثل هذه العظيمة، وعلينا أن نقدم الكثير في سبيل الدين الذي من أجله دفع الإمام الحسين(ع) الثمن غالياً بدمائه الطاهرة التي تعطر أجواء نينوى وما حولها إلى الآن.

لنقف ساعة نبكي عزاءً.. فربّ عَبْرةٍ تروي ظما..

لنبكي نفوساً تراق وتهرق بغياً وظلما..

لنبكي أجساداً صرعى بدت في الليل أنجما..

لنبكي أم البنين.. أم الأبطال التي أنجبت فحولا..

إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وأفضل الصلاة والسلام على النبي المصطفى وآله الأطهار(ع).

نور الزهراء