في السابع عشر من ربيع الأول، أشرقت على الكون أنوارٌ لم تُعهد من قبل، فاستبشرت السماوات والأرض بولادةِ من اختُتم به الوحي، وُلدَ النبي الأمي، محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، في عام الفيل، بمكة المكرمة، حاملًا معه رسالةً غيّرت مجرى التاريخ، ورفعت للإنسان منزلته، وجعلته خليفة الله في أرضه بإرادةٍ وعقلٍ واختيار.
لقد كانت ولادته (صلى الله عليه وآله) حدثًا كونيًا، تفاعلت معه الآيات، واهتزّ له عرشُ كسرى، وانطفأت نارُ فارس، ليُعلن للعالم أن نورًا جديدًا قد بزغ، سيُطفئ به اللهُ ظلماتِ الجهل والشرك، ويُتمّ به مكارمَ الأخلاق.
فما أعظمها من مناسبة وما أجلّها من ذكرى! هي ليست مجردَ حدثٍ تاريخي نذكره، بل هي تجديدٌ للعهد مع المنهج، واستشعارٌ لعظمة الرسول (صلى الله عليه وآله) الذي غيّر العالم بكلمةٍ واحدة: "اقرأ". فكيف لشباب اليوم، وهم عماد الأمة ورجال غدها، أن يستلهموا من هذه الذكرى العطرة؟ إليكم أيها الشباب الواعد بعض التوصيات:
أولًا: الاتّصاف بحسن الخلق: لقد كان النبي (ص) قرآنًا يمشي على الأرض، فاجعلوا أخلاقكم قرآنيةً محمدية. كونوا صادقين في أقوالكم، أمناء في تعاملاتكم، رحماءَ بالضعفاء، متسامحين مع الآخرين، صبورين في وجه التحديات. ليكن نبيكم قدوتكم في التعامل مع الوالدين، والجيران، وحتى الخصوم.
ثانًا: طلب العلم النافع: كانت أول كلمة في الوحي "اقرأ". فاجعلوا طلب العلم شغلكم الشاغل، علمًا ينفع الناس ويمكث في الأرض. لا تكن همتكم الشهادة فقط، بل تكون همتكم المعرفة التي تُعمر الأرض وتحلّ المشكلات وتخدم الإنسانية. تخصصوا في المجالات النافعة، واقرؤوا السيرة النبوية لتتعلموا كيف كان يقود (ص) الدولة ويبني المجتمع.
ثالثًا: القوّة والجدّية في العمل: كان النبي (ص) قويًا في الحق، جادًا في أمر رسالته، عاملاً بيده. فلا مكان للكسل والتراخي. ليكن شعاركم "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا". احرصوا على أن تكونوا أقوياء في أجسادكم، متميزين في مهنكم، مبتكرين في مشاريعكم.
رابعًا: الدعوة إلى الخير بالحكمة: كانت دعوته (ص) بالحكمة والموعظة الحسنة. فأنتم سفراء نبيكم. انشروا رسالة الإسلام السمحة بأخلاقكم قبل أقوالكم. استخدموا وسائل العصر من فن وإعلام وتقنية لنشر القيم والمبادئ التي جاء بها. كونوا قدوة عملية يرى الناس فيكم صدقَ الدين وجمالَه.
خامسًا: الثبات على المبدأ والصبر: لقي النبي (ص) من الأذى ما لقي، لكنه لم ييأس ولم يتزعزع إيمانه. فكذلك طريقكم لن يكون مفروشًا بالورود. ستواجهون تحديات وشبهات، فاستعينوا بالله واثبتوا على مبادئكم، واصبروا كما صبر الأنبياء. إن مع العسر يسرًا.
أيها الشباب، إن ذكرى المولد النبوي الشريف تذكرنا بأن التغيير يبدأ بالفرد. كان رجلاً واحدًا هو محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فغيّر العالم. وأنتم -بإذن الله- قادرون على أن تحملوا هذه المشعل وتُضيئوا الطريق للأمة جمعاء.
اضافةتعليق
التعليقات