من أسوأ وأسرع الأمور التي تؤدي إلى هلاك الإنسان وضياعه وابتعاده عن الله تعالى وإمام زمانه، والتي لا يُلقى لها الاهتمام الكافي بين الناس، هو "طعام الشبهة".
طعام الشبهة خطيرٌ جدًا وإلى أبعد الحدود؛ فقد يُغيّر تركيبة الإنسان الروحية، ويُسقطه من العرش إلى الفرش، بل إلى أسفل السافلين.
معنى الشبهة:
سُميت "شبهة" لغموضها وعدم اتّضاح حالها، وخفاء حكمها على التعيين. وقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) كلامٌ عن الشبهة يحذّر فيه منها، ويُشير إلى تسميتها بهذا الاسم، قال (عليه السلام):
"وإنما سُمّيت الشبهة شبهة لأنها تُشبه الحق". نهج البلاغة: 98
فهو (عليه السلام) يتحدث عن العلّة وراء تسميتها بهذا الاسم في إطارها العام والاصطلاحي الواسع. أما في المعنى اللغوي، فقد جاء في معجمات اللغة قولهم:
"الشبهة: ما لم يُتيقّن كونه حرامًا أو حلالًا".
وجوب الوقوف عند الشبهة:
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعِرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام". عوالي اللآلي: 1 / 89
ورُوي أن من صفات المحتشدين في مواجهة الإمام الحسين (عليه السلام) مع جيش ابن سعد أنهم مُلئت بطونهم حرامًا.
ففي واقعة كربلاء، سأل الإمام زين العابدين أباه الحسين (عليه السلام): "ما لهؤلاء القوم لا يسمعون نداءنا؟"
فقال الإمام الحسين (عليه السلام): "لقد مُلئت بطونهم من الحرام، فلم يميّزوا الخبيث من الطيّب، واستحلّوا الحرمات".
وعنه (عليه السلام) في يوم عاشوراء، مخاطبًا جيش عمر بن سعد:
"وكلكم عاصٍ لأمري، غير مستمعٍ قولي، فقد مُلئت بطونكم من الحرام، وطُبع على قلوبكم. ويلكم! ألا تُنصتون؟ ألا تسمعون؟" بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج٤٥، صفحة ٨
فالذي لا يقف عند الشبهة، لا يقدر أن يرى الحق، ولا أن يسمع صوت الحق، فيصبح كالأعمى والأصم.
عن الإمام الباقر (عليه السلام): "الوقوف عند الشبهة خيرٌ من الاقتحام في الهلكة". أعلام الدين: ٣٠١
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "أمسك عن طريق إذا خِفت ضلاله؛ فإن الكفّ عن حيرة الضلالة خيرٌ من ركوب الأهوال". تحف العقول: ٦٩، ٨٣
تأثيرها الكبير في الإنسان:
للُقمة الشبهة تأثيرٌ كبيرٌ في أخلاقيات الإنسان وتصرفاته وعاقبته. فقد ترى شابًا مؤمنًا يُصلي ويصوم، ويزور أهل البيت (عليهم السلام) بانتظام، ويُقيم العزاء عليهم، ويتبرأ من عدوهم، لكن...
لكن عينه ترى الحرام، وليست عينًا نظيفة، فقد ترى النساء العاريات في مواقع التواصل الاجتماعي، من دون أن يشعر بتأنيب الضمير، بل يرى أنه أمرٌ عادي وبديهي. هذا كله من تأثير اللقمة التي فيها شبهة.
فالعولمة التي أصبحت واقعًا في زماننا هذا، رغم ما فيها من إيجابيات، لها سلبيات كثيرة ومُدمّرة. فقد أصبحت الدول الإسلامية تأكل مما تأكله الدول الغربية، لأن ما يُصنع هناك يُستورد إلى بلادنا، مثل الشوكولاتة والجيلاتين، وغيرها...
وقد يُكتب عليه "حلال"، ويصدّقه البعض ممّن لا علم لهم، بينما هو في الأصل حرام، ويحتوي على مواد غذائية محرّمة.
في الآونة الأخيرة، نشر دكتور مسيحي فيديو عن الأجبان، يفضح فيه بعض الشركات الغربية، وكان يقول إن فيها مواد غذائية محرّمة على المسلمين، لكنها تُكتب كذبًا بأنها "حلال،"! فيجب التدقيق الكثير، والوقوف الكثير...
فقد نرى أنفسنا ذات يوم نرتكب الحرام من دون أن نهابه، ومن دون أن نشعر بتأنيب الضمير، بل نراه أمرًا عاديًا، فنَسلك طريق الهلاك من حيث لا نعلم...
وسنؤلم قلب صاحبنا، ونكون السبب في خذلانه!، إننا شيعة، وينبغي أن نكون زينًا لمولانا، لا شينًا!
فقد نكون صالحين، ولكن بلقمةٍ أو لُقماتٍ متراكمة قد نُغيّر طهارة قلوبنا، ونرتكب ما يُبعدنا عن الله تعالى وعن إمام زماننا، فنُخرّب ما عملناه من أمور صالحة...
وكل هذا... بسبب شوكولاتة صُنعت في دول غربية!، واللبيبُ من الإشارةِ يفهمُ...
اضافةتعليق
التعليقات