في زوايا المدينة الصغيرة، جلست ليلى على شرفة شقتها، تنظر إلى شجرة الياسمين تتمايل مع نسيم المساء. كانت تتذكر أول لقاء، وكيف انبهرت بكلماتٍ رومانسية وابتسامةٍ ساحرة. قلبها خفق كما لو أنه اكتشف عالمًا جديدًا، لكن شيئًا بدا غريبًا؛ شعورٌ خافت بأن الجمال وحده لا يكفي لبناء حياة. هنا بدأت الأسئلة تتسلل إليها: كيف سيواجه الأيام الصعبة؟ كيف سيتصرف حين تنهار الخطط أو تتعثر الأحلام؟
كانت تعلم أن الحب وردة، لكنه يحتاج إلى جذور ثابتة لتصمد أمام الريح. وهكذا، بين بريق العاطفة وعمق العقل، بدأت رحلة البحث عن الاختيار الذي يصنع العمر.
لهذا يجب على كل فتاة عندما تختار شريك حياة، أن تُفكّر أبعد من الرومانسية.
فالتفكّر في أحاديث الإفطار، واللحظات الهادئة بعد يوم طويل، وكيف يتعامل مع التوتر، والمال، والأخطاء، والنمو.
ولتنظر أعمق من الكيمياء، تنظر إلى الشخصية. لأن طريقة تفكير الشريك ستؤثر على سلامكِ الداخلي. قرارات الشريك أن لم تكن منضبطة ومأخوذة من وعي فستؤثر على مستقبلكِ. صبرهُ، أو غيابه، سيتردد صداه في أرجاء منزلكِ.
فأنتِ لا تختارين فقط شخصًا تضحكين معه، بل تختارين شخصًا تكافحين معهُ، تنمين معه، وتبنين معه حياة.
فلتختاري شخصًا يتوافق قلبه، وعاداته، ورؤيته مع الحياة التي تريدين أن تعيشيها.
فالحب أكثر من مجرد شعور، إنه شراكة. إنه أساس. إنه كل شيء.
غير أنّ بعض الفتيات في مجتمعاتنا يُفتنَّ ببريق الرومانسية وحده، فيحسبن أن الحب وردة في قصيدة، أو هدية في مناسبة، أو كلمات معسولة تُسكِر لحظة وتخفت بعدها. فتجد إحداهنّ قد قدّمت قلبها لمن لا يحمل فكرًا ناضجًا، ولا رؤية للحياة، ولا ثباتًا أمام مسؤوليات الزمن، فتذبل تلك الوردة سريعًا أمام أول ريحٍ عاتية.
ونرى نماذج تتكرر؛ فتاة اختارت شريكها لأنه يُتقن مفاجأتها بالهدايا، لكنها لم تسأل نفسها كيف يتعامل مع ضغوط العمل أو الخلافات، فكان أن وجدت نفسها في بيتٍ مليء بالصمت القاسي بدلًا من الكلمات الدافئة. وأخرى انجذبت لمن ملأ مسامعها بالوعود الحالمة، لكنها لم تلتفت إلى أن يديه فارغتان من أي سعي جاد، فعاشت بين حلمٍ يتبخر وواقعٍ يزداد ضيقًا.
وفي المقابل، هناك من أحسنت النظر بعمق، فاختارت من يحمل عقلًا متزنًا، وفكرًا راسخًا، وشجاعة في مواجهة الحياة. لم تُغرها مظاهر العاطفة العابرة، بل وجدت في اتزانه ركنًا تسند إليه ضعفها، وفي صبره سعةً تعبر بها الأزمات، وفي طموحه نورًا يفتح لها آفاق الغد. هؤلاء الفتيات، وهنّ قلة، أدركن أن الرومانسية جميلة ما دامت مسنودة بعقل، وأن الزهور تبقى نضرة حين تُروى من نهر الوعي والجدية.
فالاختيار الحق ليس بين قلبٍ يخفق أو لا يخفق، بل بين حياة تُبنى على أسس متينة، وأخرى تهتز عند أول اختبار.
إن الرومانسية قد تُبهرك لحظة، لكن العقل والفكر هما ما يصنعان العمر كلّه. فاختر من يزرع فيك طمأنينة لا تنطفئ، ولا تكتفِ بوميض شعورٍ يخبو. لأن الزواج ليس مسرحًا للحب العابر، بل ميدانًا للشراكة الراسخة، ومن يغلب فيه جوهره على مظهره، كان رفيق الدرب الأصدق والأبقى.
اضافةتعليق
التعليقات