• الرئيسية
  • كل المواضيع
  • الاتصال بنا
facebook twitter instagram telegram
بشرى حياة
☰
  • اسلاميات
  • حقوق
  • علاقات زوجية
  • تطوير
  • ثقافة
  • اعلام
  • منوعات
  • صحة وعلوم
  • تربية
  • خواطر

خذلان باسم الأبوة

زينب شاكر السماك / الخميس 25 ايلول 2025 / تربية / 452
شارك الموضوع :

كيف يكون الأب أقسى من الغياب، وأشدّ فتكاً من الموت، حين يختار أن يعق ابنته باللامبالاة

في زحام الأصوات المليئة بالحنين، جلست فتاة تصغي لأحاديث زميلاتها عن آباء يشبهون الحصون. إحداهن تروي عن أبٍ لم يعرف الكلل، يسهر ليوفر لها ما تريد، وأخرى تتغنّى بضحكاته وحكاياته التي تملأ بيتها دفئاً، وثالثة تبكي والدها الذي ابتلعه الموت لكنه ظل حياً في تفاصيلها، ورابعة تعترف أن أباها المريض صار طفلها الذي ترعاه بكل فخر. أما هي، فكان صمتها أبلغ من كل الكلمات، وكان قلبها يرتجف من سؤالٍ تعرف أنه سيأتي: “وأنتِ، ماذا عن أبيك؟”.

كيف تُجيب؟ ماذا تقول عن رجلٍ لم يمت، ولم يغب بجسده، لكنه لم يحضر يوماً بروحه؟ كيف تصف أباً كان موجوداً في البيت، لكنه كان غائباً عن الحياة، عن الأحاديث، عن لحظات الحنان الصغيرة التي تُبنى بها ذاكرة الأبوة؟ لقد حاولت أن تفتش في أرشيف طفولتها عن مشهد واحد يجمعها به، عن كلمة دعم، عن ابتسامة رضا، لكنها لم تجد إلا بروداً يجلدها وصمتاً يُرعبها.

كانت هي الوحيدة بين إخوتها، تظن أنها مدللته، لكنها كانت أكثرهم انكساراً. ظلت تراه بطلاً في خيالها، ثم بطلاً سقط، ثم شبحاً يُخيفها ولا يؤنسها. لقد كبُرت وهي تحمل في قلبها سؤالاً مُلتهباً: لماذا لم يكن أبي أباً كما ينبغي؟ لماذا لم أحب في عينيه ملامحي؟ لماذا كنتُ غريبة في حضرته؟.

هذا هو العقوق الذي لا يُكتب عنه كثيراً: عقوق الأب لابنته. عقوق لا يُقاس بالصوت المرتفع أو اليد الغاضبة، بل بغياب الحضور، بقتله المعنوي للطفولة، بحرمانها من أبسط حقوقها: أن تشعر أن لها مكاناً في قلبه. إن الأب حين يعق ابنته لا يسلبها لحظة عابرة، بل يسلبها ثقتها بذاتها، يتركها تكبر وفي قلبها سؤال ملتهب: “أي ذنب فيَّ جعلني غير كافية لأحظى بأب يحتويني؟”.

لقد كبُرت وهي تتعلم أن تحمل أعباءها وحدها، أن تكون صلبة في وجه الانكسار، أن تبحث في داخلها عن سندٍ يفترض أن يكون خارجها. لكنّ القوة المبكرة ليست بطولة، بل جرح مغلف بالصلابة. كل فتاة تحتاج إلى أبٍ يعلّمها أن العالم مكان آمن، أن الرجال يمكن أن يكونوا عطاءً لا تهديداً، أن قلبها يستحق أن يُحاط بالحب. وحين يتخلى الأب عن هذه المهمة، فإنه لا يعق ابنته وحدها، بل يعق مستقبلها، يعق نظرتها للعلاقات، ويعق صورة الرجل في خيالها كله.

في أعماق النفس، يترك العقوق ندوباً خفية لا تراها العيون. ذلك العقوق الذي مارسه والدها لم يسرق طفولتها فحسب، بل انتزع منها صورة الرجل في حياتها كلها. تركها تسير تائهة، تبحث عن الأمان في وجوه الآخرين، أو تهرب من فكرة الرجل خشية تكرار الخذلان. حاولت مراراً أن ترسم له ملامح أب صالح في خيالها، أن تمنحه صورة تستحقها، لكن كل محاولاتها كانت تتكسر بين يديها كما تتشظى المرآة المشروخة، التي لا يمكن أن تعكس وجهاً كاملاً أبداً.

إن عقوق الأب لابنته جريمة صامتة، لا تُسجّل في دفاتر القضاء ولا تُعاقبها القوانين، لكنها تزرع ندوباً في الروح لا يراها أحد. الأب الذي يعق ابنته لا يعقها في حاضرها فقط، بل يُعقّد مستقبلها أيضاً، يحرمها من التوازن العاطفي، من الأمان، من صورة الرجل الذي تستحق أن تراه سنداً لا شبحاً.

لقد كان يمكن لتلك الفتاة أن تتحدث بين زميلاتها عن أبٍ عظيم كما يفعلن، لكنّها لم تجد ما تقوله سوى صمتٍ ثقيل. صمتها كان مقالاً، ودمعتها كانت شهادة. وحين التفتت إلى ذاتها سألت سؤالاً لا يُجاب: كيف يكون الأب أقسى من الغياب، وأشدّ فتكاً من الموت، حين يختار أن يعق ابنته باللامبالاة.

الأب
قصة
العاطفة
السلوك
الحزن
شارك الموضوع :

اضافةتعليق

    تمت الاضافة بنجاح

    التعليقات

    آخر الاضافات

    في ثرى البقيع... كُلُّ الذي دون الفِراقِ قليلٌ

    في يومها العالمي... الترجمة لغة ثانية للحياة

    عشرات الأنواع من المبيدات الحشرية تدخل الجسم من خلال الخضار الملوثة

    مباحث اليقين: مقامات العقل والروح

    الكتابة في زمن الصورة: هل ما زالت الكلمة تصنع الوعي؟

    نقص الفيتامينات قد يكون سببا خفيا وراء آلامك المزمنة!

    آخر القراءات

    ما تأثير نوبات العمل الليلية على أجسادنا؟

    النشر : الخميس 21 كانون الأول 2017
    اخر قراءة : منذ دقيقتين

    التخميد العاطفي: الجدار العازل عما يدور حولك

    النشر : الأحد 05 تشرين الثاني 2023
    اخر قراءة : منذ دقيقتين

    ما أوسع طُرق النجاح على من عرف دليله

    النشر : الثلاثاء 27 آب 2019
    اخر قراءة : منذ دقيقتين

    فوائد البطاطا الحلوة لصحة العظام والبشرة

    النشر : الخميس 05 آذار 2020
    اخر قراءة : منذ دقيقتين

    الخدمة الحسينية: هل تنتهي بعد الأربعين؟

    النشر : الأربعاء 29 ايلول 2021
    اخر قراءة : منذ دقيقتين

    لماذا يعتبر الموز فاكهة غير مناسبة في فصل الشتاء؟

    النشر : السبت 03 كانون الأول 2022
    اخر قراءة : منذ دقيقتين

    الأكثر قراءة

    • اسبوع
    • شهر

    استبدل ولا تحذف: الفراغ عدو التغيير

    • 702 مشاهدات

    ماذا أنت فاعلٌ بحياتك؟

    • 671 مشاهدات

    الزواج.. ميثاقٌ إلهيٌّ تُنسِجه المودَّةُ والرحمة

    • 594 مشاهدات

    الشجاعة الحقيقية في مواجهة الهزيمة

    • 338 مشاهدات

    هل يؤثر التهاب الجسم في نومك؟

    • 331 مشاهدات

    كانت مجرد كلمات… حتى بدأت أبكي دون أن أفهم السبب

    • 330 مشاهدات

    الحشمة المهدورة خلف ستار القرابة

    • 913 مشاهدات

    لغة الإيموجي… حينما تتحدث الصور وتصمت الكلمات

    • 813 مشاهدات

    تجاوز سطح الخلاف: كيف يختبئ الاتفاق خلف سوء الفهم؟

    • 765 مشاهدات

    قراءة في كتاب: في دقائق كيف نتغيّر؟

    • 748 مشاهدات

    استبدل ولا تحذف: الفراغ عدو التغيير

    • 702 مشاهدات

    ماذا أنت فاعلٌ بحياتك؟

    • 671 مشاهدات

    facebook

    Tweets
    صحيفة الكترونية اجتماعية ثقافية بادارة جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية

    الأبواب

    • اسلاميات
    • حقوق
    • علاقات زوجية
    • تطوير
    • ثقافة
    • اعلام
    • منوعات
    • صحة وعلوم
    • تربية
    • خواطر

    اهم المواضيع

    في ثرى البقيع... كُلُّ الذي دون الفِراقِ قليلٌ
    • منذ 14 ساعة
    في يومها العالمي... الترجمة لغة ثانية للحياة
    • منذ 14 ساعة
    عشرات الأنواع من المبيدات الحشرية تدخل الجسم من خلال الخضار الملوثة
    • منذ 14 ساعة
    مباحث اليقين: مقامات العقل والروح
    • الثلاثاء 30 ايلول 2025

    0

    المشاهدات

    0

    المواضيع

    اخر الاضافات
    راسلونا
    Copyrights © 1999 All Rights Reserved by annabaa @ 2025
    2025 @ بشرى حياة