أزهار حسين عزيز، سيدة في عقدها الثالث، تعشق قراءة الروايات المترجمة وجميع الفنون الأدبية. تُبحر في عوالم الكتب المختلفة بين الفلسفة، والأدب، والتاريخ، وكأنها تعيش تلك الحِقَب بكل تفاصيلها.
حينما تُحادثها، تغرق معها في محيط عالمها الزاخر بالقصص الخيالية، تنقلك بينها بشوق، وهي تسرد لك بشغف ما قرأته.
وحين سألناها عمّا تعنيه لها القراءة، قالت جملة واحدة:
"إنها حياتي الأخرى."
الجسر الأهم
في عالم زاخر بالعلوم والمعارف، تتداخل فيه الثقافات، كان لا بد من وجود وسيلة تُتيح فرصة التواصل. وهنا برز دور الترجمة بوصفها الجسر الأهم الذي يربط بين الشعوب، ليس فقط لنشر العلوم والمعارف وصون التراث الإنساني، بل لتيسير الحوار بين الأمم والمطالعة لعشاق القراءة.
لتكون الترجمة بذلك لغة ثانية للحياة، ورسالة تؤكد بأنها قلب التواصل الإنساني وروح التنوع الثقافي.
أهمية الترجمة في الحياة
ترى الإعلامية تبارك عبد الأمير أن للترجمة أهمية كبيرة في حياتنا، فلولاها لما انتقلت علوم الفلسفة والطب والرياضيات من الحضارات اليونانية والهندية إلى العربية، ومنها إلى أوروبا.
إذ أتاحَتْ فرصةً كبيرةً في نشرها وتداولها والاستفادة منها، وهذا يُعد إنجازًا كبيرًا لا يُقدَّر بثمن، لمن يعشقون تعدد اللغات ويسعون لتعلّمها لفظًا وكتابة.
فهم من جعلونا نطّلع على نافذة العالم الكبيرة، من خلال الكتب التي قاموا بترجمتها.
فشكرًا لكل من غرس حروف علمه، ليتعلّم منه الآخرون.
شهادات من الميدان
وحدثتنا المترجمة وئام عادل قائلة:
"الترجمة ليست نقل كلمات، بل نقل روح النص. وهي فنٌّ يقتضي الإبداع والدقة معًا، وأهمها الأمانة في نقل النص دون التلاعب به. فدور المترجم اليوم يتجاوز الحرفية؛ فهو وسيط ثقافي يسهم في بناء وعي عالمي مشترك."
ثقافات مختلفة
ويُعبّر القارئ نورس هادي عن رأيه قائلًا:
"بفضل الترجمة، قرأت أدب اليابان وروسيا، وأحسست أن العالم مكتبة واحدة مفتوحة. إن قراءة الكتب المترجمة تنقلك بين ثقافات مختلفة، وهذا أجمل شيء، للحدّ الذي جعلني أفكّر في السفر إلى تلك البلدان للتعرّف على عاداتهم وطقوسهم واقعًا."
أول كتاب مترجم
فيما قال الباحث الاجتماعي حسنين الغزالي:
"إن الترجمة تُعد أداة دبلوماسية وسياسية تُسهّل المفاوضات الدولية، وتبني جسورًا بين الثقافات، وبذلك تُعزّز التفاهم والسلام.
ولولا إتقان ترجمة اللغات، لما كانت هناك لغة حوار بين أفراد الشعوب. كما تُحافظ على الأدب والتراث من الاندثار، وتُتيح للغات الأقل انتشارًا الوصول إلى العالم."
وعن أول كتاب تُرجم في التاريخ، قال الغزالي:
"إن أبرز وأقدم الترجمات الموثّقة هي ترجمة (ملحمة جلجامش) إلى لغات عدّة في حضارات وادي الرافدين. وفي التراث العربي، يُعد كتاب (كليلة ودمنة) من أوائل وأشهر الكتب التي تُرجمت إلى العربية في العصر العباسي، عن اللغة السنسكريتية عبر الفهلوية، في القرن الثامن الميلادي."
لغة العالم الحقيقي
وفي الختام نقول: إن الاحتفال باليوم العالمي للترجمة ليس مجرد تكريم للمترجمين، بل هو تذكير بأهمية هذا الفن الذي يُوَحِّد الإنسان رغم اختلاف لغاته.
فالترجمة هي لغة العالم الحقيقي، وبها فقط يتحقّق الحوار الذي يليق بعصر العولمة والتنوع.
وقد أعلن الاتحاد الدولي للمترجمين (FIT) في 30 سبتمبر عام 1991 هذا اليوم مناسبة سنوية باسم "اليوم العالمي للترجمة"، ثم اعتمدته الأمم المتحدة رسميًا عام 2017، لتسليط الضوء على عمل المترجمين، ودورهم في تعزيز السلام والتنمية، وإبراز جهودهم، وكسر حواجز اللغة، فضلًا عن حماية اللغات المهددة، ودعم الحوار بين الشعوب.
وسبب اختيار هذا اليوم بالتحديد هو تكريمًا لذكرى وفاة القديس جيروم (عام 420م)، الذي يُعد أول من ترجم الكتاب المقدّس إلى اللاتينية من اليونانية، وقد كان يُلقب بـ "شفيع المترجمين."
اضافةتعليق
التعليقات