مع بداية فصل الخريف، تتبدل ألوان الطبيعة وتصبح الأجواء أكثر اعتدالاً، لكن خلف هذا المشهد الساحر يواجه كثير من الناس تغيرات نفسية واضحة. تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن الاضطرابات العاطفية الموسمية ترتفع نسبياً خلال فصلي الخريف والشتاء مقارنة بالصيف والربيع، ويعود ذلك إلى قلة التعرض لضوء الشمس وانخفاض درجات الحرارة وتغير الروتين اليومي.
تقول الدكتورة روان حسين، اختصاصية علم النفس الإكلينيكي:
"الخريف يمثل مرحلة انتقالية على المستويين الجسدي والنفسي، حيث تنخفض ساعات النهار تدريجياً، فيقل إفراز هرمون السيروتونين المسؤول عن تحسين المزاج ويزداد إفراز هرمون الميلاتونين المسؤول عن النوم، ما يجعل البعض أكثر عرضة للشعور بالخمول والحزن أو حتى الاكتئاب الموسمي”.
وتضيف حسين أن هذه الأعراض تختلف في شدتها من شخص لآخر، لكنها قد تشمل اضطراب النوم، فقدان الحافز، القلق، تغير الشهية، وانخفاض الطاقة العامة، مؤكدةً أن الوعي المبكر بحدوثها يساعد على السيطرة عليها.
إجراءات وقائية
يرى الخبراء أن الصحة النفسية في الخريف يمكن تعزيزها بمجموعة من الخطوات العملية:
• التعرض لأشعة الشمس: ينصح بالخروج في الصباح الباكر أو فترة الظهيرة للاستفادة من الضوء الطبيعي وتحفيز إفراز فيتامين (د) الذي يرتبط مباشرة بالمزاج.
• النشاط البدني المنتظم: ممارسة المشي أو ركوب الدراجة أو اليوغا في الهواء الطلق يحسن تدفق الدم ويحفز هرمونات السعادة.
• تنظيم النوم: النوم والاستيقاظ في أوقات ثابتة يساعد على ضبط الساعة البيولوجية وتقليل الاضطرابات المزاجية.
• التغذية المتوازنة: الإكثار من الخضروات والفواكه الموسمية والحبوب الكاملة يقلل من الخمول ويعزز الطاقة.
• الدعم الاجتماعي: الانخراط في نشاطات اجتماعية أو لقاء الأصدقاء يقلل من العزلة ويعزز الشعور بالانتماء.
• التأمل وتمارين التنفس: تقنيات الاسترخاء تساعد على التحكم في القلق وتعزز صفاء الذهن.
فرصة للتجدد الذهني
من جهته، يوضح الدكتور سالم الجبوري، استشاري الصحة النفسية، أن الخريف ليس بالضرورة موسماً للكآبة، بل يمكن اعتباره فرصة للتجدد الذهني والروحي، قائلاً:
"الطقس المعتدل وألوان الطبيعة الهادئة قد يكونان عامل إلهام وتحفيز على إعادة ترتيب الأهداف الشخصية والمهنية، والتخطيط لبقية العام أو للعام المقبل”.
ويؤكد الجبوري أن اتباع أسلوب حياة صحي خلال الخريف يمكن أن يحول هذا الفصل من فترة ضغط نفسي إلى مساحة هادئة للتأمل والإبداع، مشيراً إلى أهمية مراجعة المختصين في حال استمرار الأعراض أو تفاقمها.
دعوة للوعي المجتمعي
تشدد منظمات الصحة النفسية على أهمية نشر التوعية بخصوص الاضطرابات الموسمية، إذ إن كثيراً من الأشخاص يعتقدون أن تقلب المزاج في الخريف أمر عابر لا يحتاج إلى متابعة، بينما الحقيقة أن الدعم المبكر – سواء عبر نمط حياة صحي أو تدخل علاجي بسيط – يمكن أن يقي من تطور المشكلة إلى اكتئاب مزمن.
وفي المحصلة، قد يكون الخريف محطة اختبار للصحة النفسية، لكنه أيضاً فرصة ذهبية لتعزيز التوازن الداخلي والاستفادة من طاقة الطبيعة المتغيرة لإعادة شحن النفس والبدن بروح إيجابية جديدة.
اضافةتعليق
التعليقات