أوقات المسلمين مهدرة، وقد وجدنا أكثرهم يتفننون في تضييع أوقاتهم بوسائل عدة، أشهرها التلفاز الذي يعمل على مدى 24 ساعة. فالتلفاز من الآفات الحديثة التي تقتل الوقت دون أن يشعر بذلك صاحبه.
وقد أظهرت دراسة تُعدّ الأولى من نوعها عن «موازنة الوقت لدى المصريين» قدّمها مركز الأبحاث الجنائية، أن التلفاز هو أهم ما يشغل الأسرة المصرية في الإجازات الأسبوعية والسنوية، وأنه يلتهم أوقات الفراغ. وتشير بعض الإحصاءات إلى أن الإنسان عندما يبلغ العشرين من عمره يكون قد استهلك من عمره ما لا يقل عن عشرين ألف ساعة من البث التلفازي. وقد لا يعني هذا العدد من الساعات شيئًا، إلا إذا علمنا بأن عدد الساعات التي يحتاجها الدارس لنيل درجة البكالوريوس هي في حدود خمسة آلاف ساعة، وأن عشرة آلاف ساعة دراسية تكفي لتحقيق أعظم الأحلام، كالحصول على أعلى الشهادات، وتعلُّم اللغات، بل ودراسة الكثير مما كُتب في العلوم والآداب.
وإذا نظرنا في واقعنا اليوم، نجد أن الوقت الضائع في حياة المسلمين يمثل حجمًا كبيرًا جدًا، فنجد الموظفين يقتلون أوقاتهم بقراءة الصحف، والاسترخاء، والعبث، دون مبالاة بالوقت الضائع منهم ومن أصحاب الحاجات. ثم نجد الارتجال والسلوك غير الواعي في تعطيل أنشطة الأمة ومصالحها.
إن المسلمين اليوم قد تأخروا عن ركب الحضارة والتقدُّم، وصاروا في مؤخرة الركب، وهم في حاجة ماسّة إلى أن يعلموا قيمة الوقت، ويستثمروا فائض هذا الوقت في حياتهم، ويدركوا قيمة العمل. فالأمة التي تجعل العمل من مقومات وجودها وهدفًا أساسيًا لها في الحياة، لن تحصد -بفضل الله وبعملها- إلا مجدًا باهرًا وازدهارًا ساطعًا.
علوم العصر الواجب تعليمها للأجيال القادمة
إن من المهارات التي يجب أن ندرسها في حياتنا ونتعلمها جميعًا، وتصبح مادة أساسية في مناهج التعليم، «مهارة تنظيم الوقت». وقد يتبادر إلى ذهن المرء أن تنظيم الوقت معناه أن نجعل حياتنا كلها جِدًّا لا وقت للراحة فيها، وهذا مفهوم خاطئ. فالوقت منظم أصلًا، ومن ينظم وقته يكون فعالًا ويستفيد بشكل كبير من تنظيمه للوقت.
أما من لا يستفيد من تنظيمه للوقت، فتراه مشغولًا في طاحونة الحياة، يعمل بلا راحة، وقد يحسّ بالملل؛ لأنه لا يعرف ماذا يفعل في فراغه الكبير، أو أنه متخبط في أعمال قليلة الأهمية. وإذا بدأ أي شخص بتنظيم وقته بطريقة فعّالة، فسيحصل على نتائج فورية، مثل زيادة الفعالية في العمل والمنزل، وتحقيق الأهداف المنشودة بطريقة أفضل وأسرع.
إن تنظيم الوقت لا يعني الجدّ بلا راحة، وإنما يعني المزيد من السعادة والسيطرة على الظروف المحيطة بنا، بدلًا من أن تسيطر علينا وتحرمنا السعادة.
فالمسلم اليوم مُطالب بأن يأخذ بزمام المبادرة، ويبدأ في التفكير الجدي حول حياته، وكيف يديرها ويقودها نحو ما يهدف إليه. وحتى ينظم وقته، وينأى عن الفوضى واللهو والعبث وسوء الإدارة، يجب عليه أن يكون صاحب أهداف وتخطيط. وإن لم يكن لديه أهداف، فلا فائدة من تنظيم الوقت. إن جهدًا كبيرًا في حياة الأمة قد هُدر فيما لا طائل منه.
الإسلام ينهى عن كل ما يُضيِّع المسلم من وقته، فقد نهى عن الجدل، والقيل والقال، والشقاق، والتدابر، والشحناء، ودعا إلى كل ما يجمع الجهود ويصون الوقت.
الأوائل واستفادتهم من الوقت
وحين حرص المسلمون على الوقت ونظموا حياتهم كما يأمرهم الإسلام، أنجزوا ما لم تُنجِزه أمة في التاريخ. ففي حدود عشرين عامًا منذ بدء الدعوة الإسلامية، دانت الجزيرة العربية كلها للإسلام، وأخذ المسلمون يستعدون للتصدي للظالمين المعتدين من الرومان والفرس، ثم امتدت الدعوة في الأرض شرقًا وغربًا وشمالًا خلال فترة قصيرة، توالت الانتصارات فيها.
لقد كان من جملة ما تميز به الصف المؤمن آنذاك «الإدارة والنظام»، وتنظيم الوقت والجهد. فالإدارة والنظام عاملان رئيسان لاحترام الوقت ومنهجيته، فالشعائر كلها مرتبة على هذا الأساس، وعلى أساس الوقت والاستفادة منه. والإدارة والنظام قاعدة رئيسة في تنظيم الوقت في الإسلام.
اضافةتعليق
التعليقات