في زحمة الأزمات التي يعاني منها المجتمع العراقي، تبرز مشكلة تعاطي المخدرات كأحد أكثر التهديدات المدمرة لشبابنا وباتت تشكل خطراً كبيراً على جميع الفئات العمرية، لكن الأثر الأكبر يكون على الشباب والمراهقين.
تصدرت هذه القضية الأجندة الصحية والاجتماعية، خاصةً مع تزايد أعداد المتعاطين هذا الانتشار المقلق أطلق جرس إنذار بين المختصين الذين اعتبروا المخدرات أكثر خطورة من الإرهاب، نظراً لتأثيرها الضار على الفرد والمجتمع.
خلف هذه الظاهرة، هناك قصص شخصية محزنة تعكس مدى التأثير المدمر للمخدرات على الأفراد والعائلات في هذا السياق، سنتناول قصة شاب عانى من الإدمان على المخدرات وكيف أثر ذلك على حياته، مستعرضين تجاربه الشخصية وتفاصيل معاناته. وكيف استطاع أن يتجاوز هذا السجن المظلم كما وصفه.
التقيت بشاب في منتصف العشرينات كان قد عانى من الإدمان على المخدرات، وقد بدت عليه آثار التعب والتقدم في العمر مقارنة بسنه الحقيقي. قال إنه يعتبر نفسه قد خرج من "سجن" الإدمان، وأكد أن اللقاء قد يكون مفيداً لتوعية الآخرين.
البداية المظلمة
في سن السابعة عشرة، كان الشاب طموحًا، يملأ قلبه الأمل ويرسم مستقبلاً مشرقًا. بدأ الشاب رحلته مع المخدرات في سن السابعة عشرة، حيث كان طالباً مجتهداً. وجد نفسه يتورط في عالم مظلم بدأه بتجربة التدخين وعندما اكتشف والده الأمر طرده من المنزل بسبب التدخين، ليعيش فترة من العزلة في بيت أقاربه. هناك، كانت مغامراته تؤدي به إلى عالم أكثر ظلمة.
طرد الأبناء المراهقين من المنزل هو من أكبر الأزمات التي يواجهها الآباء، حيث يخلق هذا التصرف حالة من العزلة واليأس لدى الشباب، مما قد يدفعهم إلى الانزلاق نحو مسالك خطيرة. هذه الخطوة ليست حلاً بل تزيد من تعقيد مشكلات المراهقين.
السقوط في الفخ
خلال تلك الفترة، بدأ الشاب بالخروج مع ابن أقاربه الذي يكبره بعدة سنوات وتعرف على أصدقائه. بعد مرور شهر، عاد إلى منزله، لكن والده ظل مصمماً على مقاطعته وعدم إعطائه مصروفاً. اضطُر الشاب للجوء إلى العمل مع ابن أقاربه وأصدقائه، حيث لاحظ أن لديهم نشاطاً قوياً وينجزون عملهم بسرعة، بينما كان هو يشعر بالإعياء والتعب من الضغط. كان الشاب يراقبهم ويريد معرفة سر طاقتهم غير الطبيعية. اكتشف أن السر يكمن في حبوب يتناولونها، والتي وصفوها بأنها "فيتامينات" تمنحهم النشاط. طلب منهم أن يجربها، فترددوا في البداية، لكنهم وافقوا لاحقاً باستثناء أحدهم الذي كان أكثر خبرة ونصحه بعدم التورط، محذراً إياه من عدم الرجوع بعد الخطوة الأولى.
قسوة الآباء والأصدقاء السوء تشكل تهديداً كبيراً على الشباب. تعامل الآباء بقسوة قد يدفع أولادهم للانحراف، بينما أصدقاء السوء يمكن أن يجرّوهم إلى عوالم مظلمة، مثل الإدمان، مما يضاعف معاناتهم ويزيد من صعوبة العودة إلى الطريق الصحيح.
النشوة الأولى ثم السقوط
عندما تناول الشاب المخدرات لأول مرة، شعر بنشوة كبيرة وشعور استرخاء عميق، مصحوباً بنشاط غير محدود. لكنه بعد انتهاء تأثير الجرعة، تلاشى هذا الشعور بسرعة، مما أدى إلى شعور شديد بالتعب والكآبة، جعل منه في حالة من الإعياء التام والنحول. كانت رغبته في استرجاع شعور النشوة الأول دفعت به إلى تكرار التجربة، حيث اكتشف لاحقاً ان هذا ليس دواءً لكنه الداء نفسه.
سجن نفسي
استمر الشاب في تعاطي المخدرات لمدة تسع سنوات. في البداية كان يستمتع بالنشوة والفرح، ولكن مع مرور الوقت، أصبح يشعر بتعب واكتئاب شديد بعد انتهاء تأثير المخدرات. يعبر عن حياته قائلاً: "أصبحت شخصاً منعزلاً وعصبياً، خسرت معظم أصدقائي وأصبح التعامل معي صعباً. لم أعد أستطيع الاستمرار في أي عمل، وكنت أشعر بأنني عبء على نفسي وأهلي".
تتالت سنواته في هذا الفخ المظلم، حيث تحول إلى شخص مختلف تمامًا: منعزل، عصبي، ومتسبب في مشاكل لأسرته. بيع ممتلكاته وسرقة أشياء من منزله كانت من بين الأفعال التي قام بها لتأمين جرعاته.
رحلة التعافي
لكن، في قلب الظلام، يظهر الأمل. رغم فشله في محاولات متعددة للتوقف، أدرك الشاب أخيراً أن الاستمرار في الإدمان لم يعد خياراً. قرر أن يقاتل من أجل حياته، وبدأ رحلة التعافي التي لم تكن سهلة. وأوضح: "لا يمكن لأي شخص التعافي من الإدمان أو أي مشكلة خطيرة ما لم يدرك تماماً مدى تأثير هذا الأمر على حياته".
النجاح في التعافي لم يكن فقط بفضل العزيمة الشخصية، بل أيضًا بفضل الدعم النفسي والعلاج المناسب ومساندة الأهل. بعد أن اكتشفوا هذا الشيء تعاملوا معه بعقلانية. الشاب الذي كان يعاني من الاكتئاب والحزن، بدأ يستعيد الأمل في الحياة ويعيد بناء علاقاته المدمرة.
الاعتراف بوجود مشكلة هو بداية الطريق نحو التعافي
عندما يدرك الشخص مدى تدمير سلوكياته لحياته، يصبح لديه الدافع الضروري للتغيير والبحث عن طرق لاستعادة حياته الطبيعية. هذا الإدراك يتطلب شجاعة وصدقاً مع الذات، وأحياناً مساعدة من الأسرة والأصدقاء والمختصين لمواجهة الحقيقة والبدء في رحلة التعافي.
رسالة أمل
قصة هذا الشاب ليست مجرد سرد لمعاناة، بل هي رسالة أمل للشباب الذين يقعون في فخ الإدمان. تعكس هذه القصة قوة الإرادة والقدرة على التغيير، حتى عندما يبدو الطريق مظلمًا.
الأسباب وراء انخراط الشاب في المخدرات وطرق التجنب
الأسباب:
- التدخين والتجربة الأولى: بدأت مشكلته بالتدخين.
- قسوة الوالدين: وهذا هو المحور الأساسي الوالدين هم بر الأمان والحارس على بوابة الشباب يجب أن يكون ذلك الحارس أمين على أمانته.
- طرد الأبناء من المنزل هو أحد أساليب التربية الفاشلة التي تزيد من وقوع الأبناء في الخطأ وانجرافهم نحو مسالك خطيرة مثل الإدمان.
- الأصدقاء السوء يلعبون دوراً حاسماً في الانحراف نحو تعاطي المخدرات. تأثير هؤلاء الأصدقاء غالباً ما يكون قوياً، حيث يمكن أن يكونوا مصدر إغراء ومشجّعين لتجربة أشياء جديدة، بما في ذلك المخدرات.
طرق التجنب:
- التوعية والتعليم: تثقيف الشباب حول مخاطر المخدرات.
- دعم الأسرة: التعامل مع الأبناء بروح من الفهم والدعم بدلاً من القسوة.
- البيئة الصالحة: اختيار الأصدقاء بحكمة وتجنب الصحبة السيئة.
- البحث عن بدائل إيجابية: تعزيز الهوايات والأنشطة الصحية التي تحقق الشعور بالراحة والسعادة.
في ختام هذه القصة، ندرك جميعًا أهمية التوعية والتثقيف حول مخاطر المخدرات، والدعم الذي يمكن أن يقدمه المجتمع والأسرة للأفراد في رحلة التعافي. إن النجاح في التخلص من الإدمان هو قصة انتصار على الظلام، وتحقيق الأمل في بداية جديدة.
اضافةتعليق
التعليقات