• الرئيسية
  • كل المواضيع
  • الاتصال بنا
facebook twitter instagram telegram
بشرى حياة
☰
  • اسلاميات
  • حقوق
  • علاقات زوجية
  • تطوير
  • ثقافة
  • اعلام
  • منوعات
  • صحة وعلوم
  • تربية
  • خواطر

اجراس صامتة: مذكرات جندي عراقي ​

مروة حسن الجبوري / الثلاثاء 19 ايلول 2017 / حقوق / 6318
شارك الموضوع :

ظلام دامس يحيطه، في قلبه يوقد الاسى، يسلب انفاسه من بين جمرات صدره الحارقة، يطيل النظر الى زاوية الحجرة، ثمة امور في ذاكرته، اشعل قنديله لين

ظلام دامس يحيطه، في قلبه يوقد الاسى، يسلب انفاسه من بين جمرات صدره الحارقة، يطيل النظر الى زاوية الحجرة، ثمة امور في ذاكرته، اشعل قنديله لينير عتمة الحجرة العتيقة، احرق صفحة من صفحات تاريخه ليوقد القنديل، فداخله معتم ايضا لكن بماذا يوقده!، لو احرق صفحات العالم لم يتمكن من انارة قلبه، بقدر ما رأى من ظلام هذا العالم .

افترش البساط العربي وجلس يرتب المكتبة، كعادته كل يوم يتفقد صوره وصور رفاقه، في كل ليلة يتغير حاله وينثر الحنين كما ينثر الورد، وتسقط دموعه كحبات عقد قطعها من لا يعرف قيمة اللؤلؤ، يحتضن صورة ويشم اخرى، وصورة لم يتمكن من رؤيتها ويكتفي بالصمت، في داخل قلبه وميض من الوجع والحسرة، يحدثها وكأنها تنصت له، ويقص عليها تفاصيل يومه، ويسأل عن حالهم وكيف كان يومهم، مع انه يعلم جيدا ان القبور تحكي عن حال اصحابها، وكيف غيرت ملامحهم التراب، حتى اصبحت لا تقوى على رد السلام، فلم تعد تلك الاجساد الجميلة كما هي..

يكفكف دموعه ويعقد اشواقه عند رؤية خيط الفجر، يغفو على ذكريات قضاها معهم في ساحة الحرب، ويرتل اسمائهم بعد كل فريضة ويطلب لهم الرحمة والمغفرة، احمد، علاء، كاظم، حيدر، لكل اسم مكانه وقصة لا يطويها الدهر عند هذا الجندي.

عندما يتبعثر الاحساس وتصبح الكلمات ثقيلة هنا تعرف انك على وشك الانهيار، لولا ان فصحت تلك الاوراق عن لسان هذا الجندي الذي عاش الحرب وخلدها بكتابة المذكرات واحتفظ فيها فنحن لا نعرف ماذا يحصل في ساحة الحرب، وعندما تدق ساعة الصفر، بعد هذه المذكرة سنعرف كيف قضى الجنود يومهم على الساتر..

 كتب من بين رمال الصحراء الحارقة، وجمرة الشمس اللاهبة، تسمع تسابيح وتكبيرات مهللة، يقف على الخط الامامي احمد وعلاء، وعند الخلف كاظم وحيدر، وانا في المتابعة والرصد، كنت استمع الى محادثتهم، واصوات الرصاص تقطع عني همساتهم، يتناغون فيما بينهم، جاءت ايام والطعام لا يصلنا لمحاصرتنا من قبل العدو..

كانوا يتقاسمون ما بقي من الطعام ويكتفي كل منهم بقطعة من الخبز لا تشبع الصغير فكيف بمقاتل يقف لساعات طويلة مع ارتفاع درجات الحرارة، رغم ذلك لم يشعروا بألم الجوع، بل كانوا يتألمون من الفقد، عندما يسقط احد الجنود يضج المكان وكأن من وقع هو اخ لهم، ما زلت اتذكر عندما تصلني المساعدات الغذائية يرفضون ان يستلمونها كما هي ويطلبون من القائد ان يوزعها على الثكنة العسكرية المقابلة لهم، هذه هي انسانيتهم، فبعد هذا الجوع والعطش قطرة ماء تسد رمقهم ورغيف خبز كافٍ لخوض معركة كاملة، اجساد لم يكن همها الطعام، بل كان يشغلها نيل الحرية، وطرد العدو من هذه البقعة.

تائه انا في سرد بطولاتهم، عندما يجن الليل، وتهدأ اصوات الرصاص، يغفا بعضهم على اكتاف بعض، من دون ان يعرف هذا المقاتل من أي دين او قبيلة او حتى من يقلد، تهدأ الارواح وتذهب في عالم النوم، اما انا كنت اجلس في مكان مرتفع اراقب الحركة، واسجل ماكنت اشاهد، ومعي ورقة صفراء وقلم، لم يبقَ منها الا عشرة اسطر، اسطر ما بقي من الجمل في ذاكرتي..

 يطول الليل، ارى لمعة في عنان السماء، تدمع عيني ويخطر في بالي كلام طفلتي الصغيرة عندما كانت ترسم نجمة وسط الدفتر، يضايقني الحنين ويعكر علي صفوتي عندما يأتي بصورة  امي وهي راكعة وتدعو لي، طفلتي وزوجتي، لكل شيء عاش معي، والان رحل بعيدا عني فلا اعرف هل سأعود انا، ام جثتي هي التي تعود!.

أُخبئ احزاني في قارورة داخل صدري، فليست هذه الحرب الوحيدة التي شاركت فيها، ولدي قتل في الحرب الايرانية، واخي قتل في الحرب الطائفية، وابن عمي قتل في الكويت، وابن خالي مفقود، وانا ما زلت على الجبهة، كل من كان معي في هذا المكان كان لديه شهيد ومفقود، حتى اعتاد على حمل السلاح منذ الصغر فنحن ابناء الحروب..

ثرثرتي على هذه الورقة قد تكون رسالة للأجيال القادمة لتعرف معنى النصر، فلا قيمة للحرية ان لم يكن الثمن الدم، يوصي بعضنا البعض عندما يشتد القتال، لم اسمع يوما مقاتلا قال: اوصيك بمالي او عائلتي، جميعهم كانوا مطمئنين، وعندما تبحث في اشيائهم بعد رحيلهم تجد ورقة كتب فيها: ارجو منكم براءة الذمة وتسديد ما كان في ذمتي لانني طلبت مبلغا من المال من اجل الالتحاق الى هنا، وخاتم صغير، وراية خضراء ربطت خلف حقيبته، واخر وجد في حقيبته نسخة من القران الكريم وورقة كتب عليها بعض الاشعار..

 أصبحت عاجزا امام هذه التضحيات، بعد هذه الارواح التي عرجت للسماء ترى ان للقتال طعم خاص لا يألفه كل شخص، حتى ذاق رفاقي طعم الشهادة، وبقيت انا مقطوع الساق وبيدي العكازة، لا اتمكن من السير، أخذت أقلب مذكراتي واتحسر على ما بقي من عمري، بعد كل التضحيات لم يأتِ احد ويقول لي اين وسامك من المعركة، ولو سألوا لقلت تلك الساق التي قطعت هي وسامي وفخري، لكن بعد الانتهاء من المعركة لا احد يستمع الى صرختي، لم يبقَ سوى هذه الاوراق فهي الوحيدة التي تسمع حديثي وتحتضن دمعتي.

لقد عدت لأعيش ما بقي لي من العمر بعد سنوات من القتال والغربة، لم ارَ عائلتي كبقية الاباء، فكانت عائلتي هي البندقية، وعندما استشهد الرجال لم يتذكر احد عوائلهم ويتفقدهم، وان كانت الفضائيات تعرض لكم المساعدات فهذا من اجلهم لا من اجل تلك القطرات الزكية، وان قدموا لشهيد الغالي والنفيس لم يفوا حقه..

 كتبت هذا لاقول لكم اننا ننسى من يضحي من اجلنا لمجرد ان ترجع الامور الى طبيعتها، اما انا لا احتاج الى من يطرق بابي ويتفقد احوالي، لانني عملت واجبي ولست بحاجة الى الشكر او المساعدة، وما يحزنني ويقتلع روحي هو فقدي لرفاقي، فالوحدة صعبة جدا وانت تعيشها بساق واحدة..

 وحيد انا في ركن  الحياة، ضائع لا أعلم ماالذي سيحصل في المستقبل، أين أستقر وهل هناك حرب اخرى تنتظرني؟. ام ابقى كهذه الاجراس المعلقة عند الباب، صامتة لا احد يطرقها. 

الحزن
الحروب
الشهيد
النصر
الارهاب
الحشد الشعبي
العراق
شارك الموضوع :

اضافةتعليق

    تمت الاضافة بنجاح

    التعليقات

    آخر الاضافات

    ‏ ما بعد الرومانسية: اختيار يصنع العمر

    دخلاء العلاج الطبيعي.. بين وهم المعرفة وخطورة الممارسة العشوائية

    استراتيجيات التعايش الذكي مع التحديات الشخصية في العلاقات

    كيف تحمي نفسك من القاتل الصامت المسبب للسكتة الدماغية!

    عادة يومية توصلك للحياة الطيبة

    التفكير وعلاقته بحالتنا النفسية

    آخر القراءات

    التصدي لمرض الإيدز يتقدم لكن بوتيرة بطيئة

    النشر : الأثنين 16 كانون الأول 2024
    اخر قراءة : منذ 23 دقيقة

    الإمام الحسن العسكري: التمهيد الهادئ لعصر الغيبة

    النشر : الأثنين 01 ايلول 2025
    اخر قراءة : منذ 23 دقيقة

    خمس قصص نجاح عالمية ستلهمك

    النشر : الأثنين 28 حزيران 2021
    اخر قراءة : منذ 23 دقيقة

    فيتامين B12 وعلامات تحذيرية من نقصه

    النشر : الأربعاء 04 آذار 2020
    اخر قراءة : منذ 23 دقيقة

    بسبب التقاليد الاجتماعية .. النساء والظهور في وسائل الإعلام بين الرفض والقبول

    النشر : الثلاثاء 09 حزيران 2015
    اخر قراءة : منذ 23 دقيقة

    الملوك التي تهاب القبور

    النشر : الثلاثاء 10 آيار 2022
    اخر قراءة : منذ 23 دقيقة

    الأكثر قراءة

    • اسبوع
    • شهر

    من درر شيخ الأئمة: "أن تنجو بنفسك… هو أرقى رد"

    • 545 مشاهدات

    الولادة النبوية.. رسالة كونية غيبية

    • 416 مشاهدات

    الإمام الصادق: رؤيته لقضايا المجمتع ومعالجة مظاهر الإنحراف

    • 368 مشاهدات

    محاولة الانتقال إلى الأفضل..

    • 368 مشاهدات

    علم الإمام الصادق: بين الوحي والاجتهاد

    • 335 مشاهدات

    المرايا المشوّهة: كيف نصنع انعكاساً أوضح لأنفسنا؟

    • 332 مشاهدات

    بحر الزائرين: ذكرى استشهاد الإمام العسكري تعيد رسم خريطة الولاء في سامراء

    • 1198 مشاهدات

    الشورى: وعي ومسؤولية لبناء مجتمع متكامل.. ورشة لجمعية المودة والازدهار

    • 1162 مشاهدات

    الإمام الحسن العسكري: التمهيد الهادئ لعصر الغيبة

    • 1103 مشاهدات

    العباءة الزينبية: رمز الهوية والعفاف في كربلاء

    • 1084 مشاهدات

    اللغة الإنجليزية عقدة الجيل: لماذا نفشل في تعلمها رغم كثرة الفرص؟

    • 1066 مشاهدات

    مشاعرُ خادم

    • 666 مشاهدات

    facebook

    Tweets
    صحيفة الكترونية اجتماعية ثقافية بادارة جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية

    الأبواب

    • اسلاميات
    • حقوق
    • علاقات زوجية
    • تطوير
    • ثقافة
    • اعلام
    • منوعات
    • صحة وعلوم
    • تربية
    • خواطر

    اهم المواضيع

    ‏ ما بعد الرومانسية: اختيار يصنع العمر
    • منذ 21 ساعة
    دخلاء العلاج الطبيعي.. بين وهم المعرفة وخطورة الممارسة العشوائية
    • منذ 21 ساعة
    استراتيجيات التعايش الذكي مع التحديات الشخصية في العلاقات
    • منذ 22 ساعة
    كيف تحمي نفسك من القاتل الصامت المسبب للسكتة الدماغية!
    • منذ 22 ساعة

    0

    المشاهدات

    0

    المواضيع

    اخر الاضافات
    راسلونا
    Copyrights © 1999 All Rights Reserved by annabaa @ 2025
    2025 @ بشرى حياة