بقطعٍ صغيرة وأدوات بسيطة، صنع عالَمه الخاص في فنّ المصغّرات ليُبدع بتفاصيل المباني المقدّسة بكلّ هيبتها وروحانيتها، إذ لم يكتفِ بتجسيد المباني والقباب الذهبية المهيبة، بل زرع الحياة في مجسّماته بإضافة أجواء الطقوس الدينية وشعائرها وحركة الزائرين، ليحوّلها إلى لوحاتٍ مصغّرة تنبض بالمشاعر، ويجعل من تلك القطع الصامتة أعمالًا فنية تأخذ الناظر إليها في رحلة إلى قلب المكان بكلّ ما يحمله من السكينة والدهشة، حيث لكلّ قطعةٍ حكاية، ولكلّ تفصيلٍ روحٌ تنبض.
(بشرى حياة) تأخذنا في سياحة فنية للتعرّف على "ميني كربلاء"، والذي يُعدّ مجسّمًا مصغّرًا يحمل تفاصيل دقيقة لصرحي الإمام الحسين وأخيه العباس (عليهما السلام)، وقد جسّده لنا المهندس المعماري رضا محمد.
إبداعٌ طفولي
منذ الطفولة، كانت لرضا لمساتٌ إبداعية في فنّ المصغّرات، إذ صنع أول مجسّم بعمر التسع سنوات من مادة الميكانو، لتتطوّر هوايته بمرور الزمن وتصل إلى ما هي عليه الآن.
حدثنا قائلًا:
حرصت جدّتي على ابتياع الألعاب لي منذ صغري، وما إن كبرت، تغيّرت الألعاب إلى حاجيات تناسب عمري، كان من بينها مجسّم مصغّر لضريح الإمام علي (عليه السلام)، إذ ترك ذلك الشكل التشبيهي أثرًا كبيرًا داخلي، فلطالما أسرني تصميمه ودقّة تفاصيله، الأمر الذي ألهمني لإنشاء مجسّم مشابه له، لكن القدر شاء أن يتحوّل إلى مجسّمٍ مصغّرٍ لضريح الإمام الحسين (عليه السلام).
دعمٌ أسري
وحول أوّل الداعمين لهواية رضا وتشجيعه، قال:
أسرتي كانت أوّل الداعمين لتطوير هوايتي وإنشاء مشروعي الخاص، وبالتحديد والدتي، حيث كانت شديدة التعلّق بالأمر لكون المشروع خاصًا بالمراقد المقدّسة.
كانت عائلة رضا الداعم الأوّل له في تطوير مشروعه الخاص في صناعة المجسّمات، وبشكل خاص والدته، وقد زادها الأمر امتنانًا لكون المشروع كان خالصًا للمراقد المقدّسة، إذ شدّت على ساعده لتزيده إيمانًا وثقةً بموهبته، وبهذا كانت النتيجة مجسّمًا مصغّرًا لضريح الإمام الحسين (عليه السلام).
ولكن الأمر لم يتوقّف على هذا فحسب، بل أخذ يتّسع أكثر ليكمل ما بدأه في استكمال مراحل المدينة المقدّسة المحيطة بالضريحين الطاهرين، ليخرج لنا تحفةً فنية بطابعٍ حسيني، حيث جسّد المجسّم مراسم إحياء شعائر عاشوراء مثل استبدال الراية، وإيقاد الأضواء الحمراء، وتفاصيل أخرى توحي بإيذان شهر محرّم الحرام.
ميني كربلاء
رفض رضا الحديث عن الأمور المادية لما أنفقه في تقديم مشروع مجسّم "ميني كربلاء"، فكان جلّ همّه هو إيصال البُعد الفكري لهذا العمل.
وفي هذا الجانب قال:
كان هدفي هو نقل وإيصال قضيّة الإمام الحسين (عليه السلام) للعالَم أجمع بجوانب جميلة وبفكرة مختلفة من خلال فنّ المصغّرات، وهذا ما قدّمته خلال عملي في المجسّم، إذ كان وما زال العمل به مستمرًا لكونه في مرحلة تطوّر دائم، وإضافات جديدة في كلّ عام.
كما أكّد أن العمل من فكرته وتنفيذه، مع تلقّيه مساعدة من بعض الأشخاص لإنجازه، وأن سبب تسميته بـ"ميني كربلاء" يعود لكونه اسمًا غير مألوف وسهل اللفظ، ويعني "المجسّم الصغير".
خطوات العمل
وحول خطوات العمل والمواد المستخدمة، تطرّق قائلًا:
واجهتُ صعوبات كثيرة لإنجاز "ميني كربلاء"، حيث كنت ألتقط صورًا عديدة لكل زوايا الأماكن المحيطة ما بين الضريحين الطاهرين، إضافة إلى زخارف الحرم الحسيني، ثم التخطيط والتصميم وطباعتها على مادة "الفذر" (الفلين) المستخدمة لصناعة المجسّمات، وهي أكثر مادة استهلكتها في العمل، فضلًا عن أدوات أخرى من الإكسسوارات وغيرها، إضافة إلى الدقّة في تنفيذ الأشخاص والأجزاء وتركيبها.
ولم أكن أحدّد وقتًا زمنيًا للعمل، إذ يستغرق مني أحيانًا ساعات أو أيامًا في إنجاز تفصيل صغير.
ختم رضا كلمته متمنيًا لجميع السائرين على طريق الحسين (عليه السلام) أن يرسموا طريقه بأجمل ما لديهم من الخدمات، سواء بالألوان أو الأفعال.
مسك الختام
كم هو جميل أن يكون المرء من خُدّام الإمام الحسين (عليه السلام)، فكانت خدمة رضا لإمامه من نوعٍ آخر، وذلك ضمن سيل الخدمات المختلفة التي تبنّتها القضيّة الحسينيّة بصور شتّى، فكان "ميني كربلاء" ضمن ذلك السيل، وقد لاقى إعجاب الفنانين من ذوي الاختصاص والمتذوّقين أيضًا.
ويأمل رضا أن يشارك "ميني كربلاء" في معرض خاص خلال مراسيم الزيارات في شهري محرّم وصفر، ليُتيح للزائرين رؤيته. كما كانت له أعمال أخرى قد شاركت في بازار ومعارض، مثل مجسّم القدس وغيرها، وقد لاقى عروضًا عديدة لإنجاز أعمال مصغّرة على نفس الشاكلة مقابل أجور مالية.
اضافةتعليق
التعليقات