في لحظة واحدة، يتحوّل انتظار طويل إلى رقم. رقم صغير يُقال على عجل، لكنه يترك أثرًا ثقيلًا في الروح. يُقال لك "مبروك، نجحت!" لكنّك لا تشعر بالفرح... لأن ذلك الرقم لم يكن كما أردت. إنها صدمة المعدل، التي يعرفها كل طالب شجاع مشى طريق السادس الإعدادي، حالمًا، مثقلًا بالتوقعات، ومنهكًا بالسهر والدعاء والدفاتر.
كأن العالم قد توقف للحظة… حين فُتح رابط النتيجة، وتجمدت الكلمات في الحلق، وسقط الصمت ثقيلًا على القلب. معدلك لم يكن كما توقعت. لا كما حلمت. ولا كما وعدت نفسك. وتبدأ تلك الأسئلة تنهال: لماذا؟ أين الخلل؟ هل خذلت نفسي؟ هل انتهى كل شيء؟
أُريدك أن تتنفس فقط. خذ شهيقًا طويلًا. دع قلبك يستوعب الحقيقة، لا ليَنهار، بل ليُعيد ترتيب نفسه.
أعلم، لقد تعبت. سهرت. بكيت. راجعت مرارًا. وكل هذا ليس خيالًا… هو تعبك الحقيقي. لذلك، لا تسمح لأحد أن يسرق منك هذا التعب، فقط لأن النتيجة لم تكن كما خططت. المعدل ليس مرآتك. إنه رقم، لكنه لا يحصي عدد الليالي التي قاومت فيها النوم، ولا عدد المرات التي تجاوزت فيها إحباطك، ولا عدد الصفحات التي امتلأت بخط يدك.
أحيانًا، نحن لا نُفشل أحلامنا، بل الحياة تُعيد رسم الطريق لنا بخرائط لم نكن نعلم بوجودها. أنت اليوم لست ضعيفًا لأنك لم تصل لهدفك، بل أقوى لأنك واجهت خيبة وظللت واقفًا.
هل تعتقد أن الأطباء والمهندسين والمحامين وحدهم يصنعون المجد؟ الحياة أكبر من ذلك. كم من شخصٍ اختار طريقًا غير ما رسمه المجتمع له، فابتكر، ونجح، وترك بصمة. لا تتقزم داخل فكرة أنك أقل من غيرك لأن درجتك أقل. فالمعدل لا يعرف قلبك، ولا نيتك، ولا صبرك. لكنك تعرف كل هذا، وهذا يكفي.
ما تحتاجه الآن هو أن تمنح نفسك وقتًا. لا تقارن. لا تبرر. لا تُبرح مكانك في جلد الذات، فالمبالغة في تأنيب النفس تُخرس صوت الطموح. ضع يدك على قلبك وقل: "أنا بخير… حتى وإن لم يصدقني العالم، سأُصدقني أنا".
الفرص لم تغلق أبوابها. هناك عشرات الأبواب تنتظر أن تطرقها، لكنها تحتاج منك أن تنهض. أن تُعيد قراءة ذاتك قبل أن تُعيد قراءة المواد. وربما، ما ظننته طريق الفشل، كان بداية لطريق أنضج، أكثر ملاءمة لروحك.
استعن بالهدوء. بالصلاة. بالدفء الذي تجده في حضن أمك، أو في كلمات والدك. لا تستحِ من دموعك، لكن لا تجعلها تُغرقك. بكاؤك لا يعني أنك ضعيف، بل يعني أنك إنسان حي.
في كل دفعة، هناك من كسرته النتيجة، وهناك من صُدم لكنه التقط نفسه، وأكمل. كن من هؤلاء. لا لأن الحياة سهلة، بل لأنك أقوى مما تظن. لأنك تستحق أن تمنح نفسك فرصة جديدة. لأنك — فقط — تستحق.
في المرات القادمة، لا تدرس فقط لأجل معدل، بل لأجل أن تفهم، أن تنمو، أن تصنع ذاتك. دع هدفك ساميًا، لا رقميًا. فإن فشلت مرة، فهناك مئات الطرق للنجاح، لكن يجب أن ترفض أن تتوقف.
أنت الآن في مرحلة مؤلمة، نعم، لكنك في مرحلة تحوّل كذلك. عش التجربة. خذ منها الحكمة. لا تخرج منها ساخطًا، بل خارجًا منها بنُضج.
غدًا، حين تنظر للخلف، لن تتذكر فقط المعدل، بل كيف نهضت بعده. وهذا هو الدرس الأعظم.
نعم، من المؤلم أن ترى أحلامك معلقة برقْم، لكن لا شيء مؤبد. الحياة تتيح لنا دومًا أن نُعيد الكَرّة، أن نجرّب من جديد، أن نكبر.
وأخيرًا، هذه ليست النهاية… هي فقط بداية، اختلفت عن تصورك، لكنها قد تكون الأجمل.
اضافةتعليق
التعليقات