• الرئيسية
  • كل المواضيع
  • الاتصال بنا
facebook twitter instagram telegram
بشرى حياة
☰
  • اسلاميات
  • حقوق
  • علاقات زوجية
  • تطوير
  • ثقافة
  • اعلام
  • منوعات
  • صحة وعلوم
  • تربية
  • خواطر

بلا هدف.. لكنه يحمل المعنى

هدى المفرجي / منذ 3 ساعة / ثقافة / 13
شارك الموضوع :

فيما أكتب أنا هذه الحروف، أسمع صوت أمّي الشجيّ يُطربني بشكر الله، وهي في الحقيقة نعمتي التي ميّزتها

حروفه تسقط كأوراق الخريف الميتة، تُحاكي فراغًا لا قاع له، بينما تُنادي سكينته الغافلة صمتًا أشبه بصُراخ مختنق، فيحذّره عقله: "إيّاك والتمرّد"، ثم يضحك بمرارة تذوب فيها كل آماله: "أيّ حياةٍ هذه؟ وأيّ أملٍ ترميه بين يديّ كالفُتات؟ حتى الله قد نسيني!" ينطقها بحزنٍ مبهم.

ثم يمتدّ به اليوم كظلٍ طويل يجرّ أذيال النقم بدل النِّعَم، يشتكي ويتساءل وينظر إلى السماء بعينين تشبهان قبرًا مفتوحًا، ويجرّ ساقيه من على سريرٍ مريح، يدفع عنه الغطاء وكأنّه يرفض دفئًا لم يعد يستحقّه، بينما المكيّف يُذكّره بأنّ "الحرّ" مجرّد كلمة في قاموسٍ لم يقرأه. يمسك هاتفه بيديه السليمتين، يتجوّل بين تطبيقات تعرض له العالم: مجاعة هنا، دمٌ هناك، طفلٌ يبكي تحت الأنقاض، لكنّ أصابعه تتمرّغ في البرودة وتلمس شاشةً من زجاج لا تشعر، متصفّحًا كتالوج ألمٍ لا يعنيه.

فتتنوع الصور بين معاناة الأطفال تحت الأنقاض، وجائعٍ يُقارب على الموت، فيُقلّب الصور بمللٍ شديد، حتى ظهر له من عمق مجتمعه ومدينته الفتى بلا يدين، يسير نحو كربلاء بقلبٍ يجرّ الجبال، فتتوقّف الحروف في حلقه، يشعر أنّ الكون كلّه يضحك عليه، فبينما يرفض الخروج من شدّة الحر، هناك من لا يملك إلا الإرادة، يصنع الفارق، ويملأ الطريق، ولا يهتمّ إن كان معه معيل أم لا، فهو يعلم أنّ الذي ألهمه الهمّة لن يتركه في طريق الحق. وأنت، كلّ نعمةٍ بين يديك تحوّلها إلى سجن.

وفي زاوية الغرفة، يظهر ظلّه، ذلك الغريب الذي يراقبه منذ أيام، منذ أن قرّر أن الحياة مجرّد غفوة بين اليأس والملل، فيسأله بخوف: "مَن أنت؟"

انعكاسه يردّ: "أنت... لكن حين ترفض نعمة العيش."

يصمت، فيكمل الظلّ بصوتٍ كالرعد: "أتدري كم قلبًا توقّف اليوم وهو يحلم بأن يملك دقيقة من وقتك الضائع؟ كم عينًا تمنت أن ترى ما تراه أنت، ثم تُغمضها الدماء؟"

وبنبرةٍ حادّة، منبّهًا إيّاه: "استيقظ قبل أن تتحوّل النعم إلى حجارة على صدرك، وقبل أن تدرك أن اللا معنى خاصّتك لم يكن إلا وهمًا صنعته أنت وفات أوانه، بينما المعنى كان يناديك طوال الوقت."

تدمع عيناه فجأة، كأنّما الظلّ فتح نافذةً في جدارٍ كان يحبس فيه روحه، يسمع همسًا داخليًا: "الهدف لم يغب، أنت من أغمض عينيه." فيهزّ رأسه، ويخرج من غرفته مسرعًا كمن يخاف أن يفوته القطار، فيجد كوب الشاي على المائدة ما زال دافئًا، وصوت أمه بجانبه، نعمة لا تُحصى، تُخبره قائلة: "بُنيّ، غداء اليوم هو طبقك المفضّل."

في تلك اللحظة، يكتشف أنه كان يبحث عن المعنى في كلّ مكان إلا حيث وُضِع له منذ البداية: حيث محيطه، ونعمه، وحياته هو، لا غيره.

النعمة بين عطاء الشكر وجحود النكران

في دوّامة الحياة، تُسلب النعم من بين أيدينا ونحن غارقون في غفلةٍ مركّبة، بين رفضٍ متعجرف، وجحودٍ مستكبر، وقلّةِ رضًا تفقدنا بركة ما نملك، فنرمي النعم وراء ظهورنا كأنها أعباء، حتى إذا فارقتنا، التفتنا إليها بلهفة الظمآن إلى قطرة ماء. فيا ليت اللقمة التي أهدرناها بطرًا تعود إلينا، ويا ليت العطش يعلّمنا قيمة النبع الذي كنّا نغوص فيه.

وفي هذا السياق، يبرز قول أمير المؤمنين (عليه السلام) نورًا يضيء طريق الشاكرين:

"إذا وصلت إليكم أطراف النِّعَم، فلا تنفّروا أقصاها بقلّة الشكر"، مبينًا أنّ الشكر ليس مجرّد كلمات تُقال، بل هو عهدٌ بين العبد وربّه، يحفظ به نعيم الدنيا، ويستجلب به مزيد الفضل. فالله عزّ وجلّ قد تكفّل برزق كلّ مخلوق، لكن الزيادة والبركة تُمنحان لمن أدرك لسان الامتنان، فجعل قلبه مرآةً تعكس عظمة المُنعِم.

وهنا يأتي البيان الإلهي ليرسي قاعدةً ذهبية بقوله تعالى:

﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾

فالشكر مفتاح الزيادة، والنكران سبيل الزوال. حتى الجماد، والحيوان، والنبات يشكر خالقَه بلغته الخاصّة، فكيف بالإنسان، وهو سيّد المخلوقات؟

ولطالما كانت الحكمة الإلهية تختبر العباد بالنِّعَم؛ فتزيدها ليروا صدقهم، أو تسلبها ليدركوا تقصيرهم. فما أقسى لحظة اليقظة حين تتبخّر النعمة ويُفتح الباب للندم على نعمٍ لا تُعد، وحمدٍ لا ينقطع.

فكم ردّ الله عنّا شرّ حاسدٍ غارقٍ في حسرته، وكم جنّبنا أهوالًا تهزّ القلوب رعبًا، فنحن في أمانٍ بينما غيرنا محاصر بالخوف، وفي صحّةٍ بينما آخرون يُقاسون آلام السقم، وأحرارٌ بينما يُكبّل المظلومون بقيود السجون، وفي سكينةٍ بينما تنهش أراضٍ أخرى بنيران الحروب.

وكلّ هذا الفضل، ليس بفضلنا، بل هو عطاء من ربٍّ كريم، فكيف لا نسبّح بحمده؟ وكيف لا نسجد شكرًا على نعمة صوت أمٍّ حانية، أو دفء بيتٍ آمن، أو رغيف خبزٍ يُشبع جوعًا؟ فالشكر ليس ردّ فعلٍ عابرًا، بل هو فلسفة حياة، هو أن ترى يد الله في كل شيء، أن تعيش اللحظة بقلبٍ ممتلئ باليقين.

وفيما أكتب أنا هذه الحروف، أسمع صوت أمّي الشجيّ يُطربني بشكر الله، وهي في الحقيقة نعمتي التي ميّزتها في لحظتي هذه، فكثير قد غاب عنهم صوت "جِنانهم"، وأنا أنعم بدفء جنتي.

هي كلمات كتبتُها بلا هدف، فكلٌّ منّا يحمل هدفًا مختلفًا، ولكنّنا نجتمع بذات المعنى جميعًا:

"مَن لم يشكر النعمة، فقد عرضها للزوال".

فالحمد لله حمدًا يليق به، وشكرًا لا انقطاع له، مناجيةً إيّاه بما ناجى به الإمام زين العابدين (عليه السلام) وأقول:

"فكيف لي بتحصيل الشكر، وشكري إياك يفتقر إلى شكر."

الانسان
التفكير
الشكر
الايمان
الحياة
القرآن
شارك الموضوع :

اضافةتعليق

    تمت الاضافة بنجاح

    التعليقات

    آخر الاضافات

    كيف تعالج وتسيطر على الوزن الزائد

    على دروب العشق نلتقي.. فكلّها تؤدّي إلى الحسين

    تنافس محموم بين الشركات على جذب المواهب في الذكاء الاصطناعي

    الحجاب وتحديات الانفتاح الرقمي

    نحن لا نتذكر أيامًا، بل نتذكر لحظات

    فن الاستماع مهارة ضرورية

    آخر القراءات

    حضارة الهاتف.. إلى أين؟

    النشر : الأثنين 30 آيار 2022
    اخر قراءة : منذ 4 ثواني

    إضافة لمرض الزهايمر.. ما هي أبرز مخاطر نقص فيتامين B12 ومصادره الغذائية؟

    النشر : الأحد 29 ايلول 2019
    اخر قراءة : منذ 22 ثانية

    اكتشاف كوكب جديد صالح للعيش مستقبلا

    النشر : السبت 17 شباط 2024
    اخر قراءة : منذ 23 ثانية

    الامام المهدي

    النشر : السبت 25 تموز 2020
    اخر قراءة : منذ 26 ثانية

    ما هي نقطة انطلاق الحضارات؟

    النشر : الأحد 30 كانون الثاني 2022
    اخر قراءة : منذ 29 ثانية

    سرطان الغدة الدرقية الكشمي واللمفاوية

    النشر : الثلاثاء 04 تشرين الاول 2022
    اخر قراءة : منذ 30 ثانية

    الأكثر قراءة

    • اسبوع
    • شهر

    زوار الحسين: فضل عظيم وشرف أبدي

    • 1341 مشاهدات

    مناهل الأربعين.. فتنافسوا في زيارته

    • 1331 مشاهدات

    المواكب الحسينية.. محطات خدمة وإيثار في درب العشق الحسيني

    • 841 مشاهدات

    أربعينية الحسين: ملحمة الوفاء وتجسيدها الحي في عطاء المتطوعين

    • 749 مشاهدات

    حين ينهض القلب قبل الجسد

    • 438 مشاهدات

    ساعي بريد الحزن

    • 372 مشاهدات

    زوار الحسين: فضل عظيم وشرف أبدي

    • 1341 مشاهدات

    مناهل الأربعين.. فتنافسوا في زيارته

    • 1331 مشاهدات

    السيدة رقية: فراشة كربلاء وصرخة المظلومية الخالدة

    • 1212 مشاهدات

    كل محاولاتك إيجابية

    • 1138 مشاهدات

    التواصل المقطوع

    • 1062 مشاهدات

    سوء الظن.. قيدٌ خفيّ يقيّد العلاقات ويشوّه النوايا

    • 1058 مشاهدات

    facebook

    Tweets
    صحيفة الكترونية اجتماعية ثقافية بادارة جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية

    الأبواب

    • اسلاميات
    • حقوق
    • علاقات زوجية
    • تطوير
    • ثقافة
    • اعلام
    • منوعات
    • صحة وعلوم
    • تربية
    • خواطر

    اهم المواضيع

    بلا هدف.. لكنه يحمل المعنى
    • منذ 3 ساعة
    كيف تعالج وتسيطر على الوزن الزائد
    • منذ 3 ساعة
    على دروب العشق نلتقي.. فكلّها تؤدّي إلى الحسين
    • منذ 3 ساعة
    تنافس محموم بين الشركات على جذب المواهب في الذكاء الاصطناعي
    • منذ 3 ساعة

    0

    المشاهدات

    0

    المواضيع

    اخر الاضافات
    راسلونا
    Copyrights © 1999 All Rights Reserved by annabaa @ 2025
    2025 @ بشرى حياة