في لحظات الضعف، حين تضيق الأرضُ بما رحُبت، وتشعر النفسُ بأنها فقدت وجهتها، لا يبقى للإنسان إلا أن يرفع يديه، وينادي مَن يعلم أنه لا يُخيّب من دعاه.
فهل التوسل بالله مجرد كلمات، أم أنه أكثر من ذلك؟ وهل تكفي المحبة دون طاعة؟
أسئلة قد تراودنا ونحن نخطو نحو أبواب التوبة برجاءٍ لا يخلو من الخوف.
الذنب ثقيل، لا شك، لكن الأمل في رحمة الله أثقل وأوسع. ومع ذلك، ليس كلُّ أملٍ صادق، فهناك أملٌ كذوبٌ يخدع صاحبه، يجعله يتكئ على سعة رحمة الله دون أن يُقدّم شيئًا، دون أن يُغيّر، دون أن يتحرّك خطوة واحدة.
وهذا، في الحقيقة، نوعٌ من أنواع الغفلة.
قال الإمام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة: "إن أخوفَ ما أخاف عليكم اثنان: اتباع الهوى وطول الأمل"، فحين يطول الأمل بلا عمل، يتحوّل إلى وهمٍ يسرق العمر.
لكن، لا يعني هذا أن الإنسان يجب أن يفقد الأمل إن أخطأ، بل إن الرجاء الحقيقي هو ما يصحب التوبة والعمل.
نعم، قد يكون العمل ناقصًا، بل فيه من العيوب ما لا نُحصيه، ومع ذلك، فإن الله يقبله إذا خرج من قلبٍ منكسر، يتوسل ويعترف.
قال تعالى: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله" (الزمر: 53).
ألم نقرأ هذا كثيرًا؟ لكن، هل نصدّقه حقًا؟ أحيانًا ننسى أن الدعاء نفسه عمل.
التوسل لا يعني فقط أن نطلب، بل أن نحمل في دعائنا صدقًا، أن نعترف أننا مقصّرون، وأننا نحتاج.
في دعاء أبي حمزة الثمالي، نلمس هذه المشاعر بوضوح، حين يقول الإمام زين العابدين عليه السلام:
"كلما قلتُ: قد تهيأتُ وتعبأتُ، وقمتُ للصلاة بين يديك… عرضتْ لي بليةٌ أزالت قدمي".
هذه ليست كلمات شاعر، بل نفسٌ بشرية تتعثر رغم نيتها.
والحب؟ نعم، نحن نقول إننا نحب الله، ونحب النبي، لكن، هل يكفي الحب؟
الله يقول: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله" (آل عمران: 31).
فالمحبة إن لم تتحول إلى اتباع، تبقى ناقصة. نحب النبي لأنه مصدر الرحمة، ولأن سيرته فيها نور، لكن كم مرة نُشبهه في أفعالنا؟
التوسل ليس حالة ضعفٍ فقط، بل هو قرار. قرار أنني لا أملك شيئًا، وأن الله يملك كل شيء. هو الرجوع إلى مَن لا يملّ من الرجوع إليه.
وصدقًا، كلنا محتاج إلى لحظة توسلٍ صادقة، بعيدة عن التكلف، مليئة بالدموع، وربما بالسكوت في بعض الأحيان،
لحظة نقول فيها: "اللهم إني بنعمة الإسلام أتوسل إليك، وبحرمة القرآن أعتمد عليك".
فهل نُحسن الوقوف عند الباب؟ وهل نبقي في قلوبنا ذلك الأمل الذي لا يموت؟
لعلّنا، بذلك، نكون من أهل الرجاء، لا من أسرى الوهم.
اضافةتعليق
التعليقات