كيف أصبح "الشات" مرجعاً فكرياً وعلمياً ومقرراً لتفاصيل حياتنا؟
لا أحد ينكر كيف أثّرت التكنولوجيا على نمط حياتنا، وساهمت في تقديم الخدمات التقنية للمشتركين بشكل خاص، وأسهمت في تنمية المهارات الفكرية والمعرفية، وشاركت في تقدم المجتمعات وتطورها، لا سيما تلك البرامج والتطبيقات التي تعتمد على خاصية الذكاء الاصطناعي، حيث تتميز بتقديم المعلومة بشكل سلس وبكفاءة عالية، من خلال تحليل البيانات واستخدامها بدقة عند معالجتها.
قد يطلب كلٌّ منا معلومات خاصة في مجال معين، ولربما يعتمد أو يعمل وفقاً لتلك الإجابة. وقد يذهب البعض إلى الطاعة المفرطة والتنفيذ الحرفي لكل ما يمليه عليه ذلك البرنامج، حيث يجعله مرجعاً فكرياً وعلمياً يستشيره حتى في أدق تفاصيل حياته، متناسياً أن تلك البرامج قد بُرمجت بعقول تختلف عن قيم وضوابط المجتمعات العربية، إذ يُزوَّد البرنامج بالبيانات حسب ما طُلب منه، لكنها في النهاية تبقى برامج وتطبيقات من صُنع الإنسان، وقد تُخطئ وتُصيب.
فهناك بعض القضايا التي تحتاج إلى تريث وتفكير، بل تعود قراراتها إلى الإنسان وحده، حيث لا يمكن لأحد غيره أن يتخذها. فكيف يمكن أن نسمح لبرامج وتطبيقات أن تتخذ القرارات نيابةً عنّا، ونجعلها مصدر أمان وثقة؟ نحن اليوم بحاجة إلى وعي تام بأن العالم الرقمي عالم مليء بالهفوات، ولا يمكن أن نتخذه منصة للتشريعات أو منظومة للحكمة والتوجيه.
إن هذه التطبيقات الذكية بُرمجت على ملايين البيانات والنصوص والمحادثات المتوافرة على الإنترنت، وهي لا تبتكر، بل تقوم بتجميع تلك البيانات في وقت قياسي. وما يدل على ذلك، أننا حين نطلب من البرنامج أن يقدم لنا صوراً أو رموزاً معينة، فإنه يقدّمها على شكل مصطلحات أو أشكال هندسية أو قباب عمرانية، ويظهر أنه غير قادر على الابتكار.
لذا، لا يمكننا أن نعتقد أن تلك المعلومات والبيانات قد بُرمجت بعقول وصُمِّمت بأيادٍ لا تخلو من الخطأ. والعدد الهائل من البيانات التي تم إدخالها لا يعدو كونه مكوناً في تطبيق قد يتوقف عن العمل في أي لحظة، أو قد لا يستجيب للأوامر.
فمن غير المعقول أن نجعل منه مرجعاً في كافة تفاصيل حياتنا، وإن سلّمنا بذلك، لأصبحت حياتنا تتشابه مع حياة الآخرين، استناداً إلى الأوامر الموحدة التي تقدمها مخرجات تلك البرامج الذكية. فالتسليم المطلق لها يأتي بنتائج سلبية وخطرة، تنعكس على البنية المعرفية والفكرية للفرد، لا سيما في القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم وغيرها، مما أدى إلى الاعتماد الكلي لدى بعض الباحثين والطلبة على تلك التطبيقات.
وهذا ما يخلق جيلاً فارغاً، متهالكاً، لا يملك شيئاً من المهارات الحياتية.
اضافةتعليق
التعليقات