تُعدّ مشاية الإمام الحسين (عليه السلام) واحدة من أعظم وأضخم الشعائر الدينية التي يشهدها العالم سنويًا، حيث يسير الملايين من الزائرين من مختلف بقاع العراق والعالم نحو مدينة كربلاء لزيارة مرقد الإمام الحسين (ع) في أربعينيته، والتي تصادف يوم 20 صفر من كل عام هجري. هذه المسيرة ليست مجرد رحلة مشي، بل تمثل تجليًا للإيمان والولاء، ومظهرًا فريدًا من مظاهر التضامن الإنساني والخدمة المجتمعية.
الجذور التاريخية للمشاية
ترتبط مشاية الأربعين بتاريخ طويل من الولاء لآل البيت (عليهم السلام). أول من زار الإمام الحسين (ع) بعد استشهاده في كربلاء هو الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري، الذي جاء مشيًا على الأقدام من المدينة المنورة إلى كربلاء في يوم الأربعين، سنة 61 هـ، برفقة عطاء بن أبي رباح. ومن هنا، أصبحت زيارة الأربعين مشيًا على الأقدام سنة مستحبة ومحببة لدى الشيعة، واستمرت وتطورت رغم كل التحديات والاضطهادات السياسية على مر العصور.
الأبعاد الدينية
المشاية إلى كربلاء في الأربعين تُعد تعبيرًا عن الحب والولاء للإمام الحسين (ع)، وتجديدًا للعهد بمبادئه التي استشهد من أجلها، من قبيل الحق، والعدل، ورفض الظلم. كما تمثل مشاركة وجدانية مع آلام أهل البيت (ع)، خاصة مع ما جرى لركب السبايا بعد معركة كربلاء.
وقد ورد في الحديث الشريف عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام):
“علامات المؤمن خمس: صلاة إحدى وخمسين، وزيارة الأربعين، والتختم باليمين، وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.”
الجوانب الاجتماعية والإنسانية
من أبرز ما يميز المشاية هو حالة التكافل الاجتماعي التي تظهر على طول طريق الزائرين، حيث تنتشر الـ”مواكب الحسينية” التي تقدم الخدمات المجانية للزائرين من مأكل ومشرب ومبيت وعلاج.
هذه المواكب لا تميز بين جنس أو عرق أو مذهب، بل تستقبل الجميع وتخدم الجميع بروح طوعية قلّ نظيرها في العالم.
مشاية تتحدى الجغرافيا والحدود
لم تعد المشاية مقتصرة على العراقيين، بل يشارك فيها زائرون من أكثر من 60 دولة حول العالم، يأتون من إيران، باكستان، لبنان، الهند، البحرين، دول الخليج، وحتى من أوروبا وأمريكا وأفريقيا. الكثير منهم يسير مئات الكيلومترات حاملين رايات الحسين (ع)، وقلوبهم مليئة بالشوق والتفاني.
مشاية الإمام الحسين (عليه السلام) ليست مجرد طقس ديني، بل هي ملحمة روحية وإنسانية عالمية، تؤكد على أن مبادئ كربلاء ما تزال حيّة في قلوب المؤمنين. هي رسالة ضد الظلم، دعوة للوحدة، ومناسبة لصقل الروح والإرادة على خطى الإمام الشهيد.
“الحسين يجمعنا” ليست شعارًا فقط، بل واقعًا ملموسًا يسير عليه ملايين الزائرين نحو كربلاء الحسين كل عام، حاملين في قلوبهم راية “هيهات منا الذلة”.
اضافةتعليق
التعليقات