الحمد لله الذي جعل الشهادة جلباب أوليائه، وسبيلًا لا عِوَجَ فيه، وبأسًا شديدًا وبشرى لمهجة المستميت لله، وبالله، وفي الله.
إن القدر هو قدرة التجليات لإيضاح الهدف، وتمجيد القيمة، وحفظ العهد المعهود لكل من خطّ بدمه سيرة دافئة مليئة بالنفحات الخيّرة. كذلك، فإن الكتاب قد ترك لنا حكاية الجهد وثبات الوقت على مبدأ العطاء لآل العباء، محمدٍ وآله النجباء.
وعلى امتداد الذكر المتوج بالنور، تحلّ علينا ذاكرة الفقد، وفم الحقيقة القانعة، ذكرى رحيل الشهيد الفقيه السيد محمد رضا الشيرازي، زعيم كلمة السيف، وباب إصلاح الأمة، ومشكاة نورٍ لعلم محمدٍ وآل محمد.. وفي حضن الألم حكاية لا تُنسى، تلتفّ حولها بوجع، وتَرقى معها قصة رحيله.
نفتقد ثراك، وتستنجد الأقلام من واحة ذكرك تجاربَ الحياة، ومن أعباء الحاضر حتى يُلملم الغيث بعض أفكارك، وأفواج خطواتك لحلول اليوم؛ لأن السيف قد اقتنع بمُهندك وحلوله لساحة الهَوجاء، فالكلمة اليوم تنازع وجودها لترتقي ساحة اللظى، وجبلًا كثيرًا يزور أعتاب نهجك ليرمّم المفاسد ويبني المساجد، حتى تكتمل البصيرة وتنجو العشيرة.
فكم من نفسٍ صابرة تعاود خوض العناد الذي يراود ساحة الحاضر، لتتجلّى الحلول من فيض توجّهاتك. كنت على الغريم سيفًا يجزّ الخطأ وينبذ المؤامرة، وحتى تحفظ التراث كنت أنت حافظًا لآياته، تتقن صنع القالب، وقلبك الدافئ روضة لصيانة الحق فيه.
الحياة مسيرة ابتلاء، لم تتذمّر منها على شدّتها، بل واظبت أنفاسك على اليقظة إرباكًا للباطل، وكان التوازن دَيدنك في كل حوار؛ لأن المبدأ يحومه شلال من الاختلاف، واليقين رداءُ من كانت ذاته موطنَ السلام.
فوا أسفاه من أمة لم تحفظ للعلم ذمة، ولا لعلمائها قِمّة. تسرق الزكاة، وتعشق تراب الظالمين، وتنوح على تلال الدنيا وفيافيها، وتتجرّأ على دلائل الشريعة عنوة. سلاحها الجهل، وميزان حرفها رفض المبادئ…
إن قرينة الدرب الطويل تتشابك معها فوضى التكهنات، ولابد من اتحاد عناصرها، وصرامة أعمدتها، ليبقى فرضًا يعبق بالقوة والصلابة، رافضًا التملق وهشاشة التعبير. لذا، كان من المقرّر أن تتولاها حناجر لا تَسأم من الخوف أو ضربة السيف، ولكي تبقى على مدى حياة التحدّي حاضرةً قائمةً لحفظ كتاب الدليل من قرائن السوء.
تحمّل الشهيد السعيد هذه المهام، وارتقى منبر التصدّي، وذكر الحقيقة، وعدم تقمّص خذلان الصفات، وحذف الضدّ من الحروف الزائدة في كل رواية، واعتمد دمج الدلائل مع كل أثارة علمٍ ومعرفة، لتكون حصنًا منيعًا من الضياع.
وعلى مدى مسيرته النهضوية، لم يكن يتلفّظ بأسًا، بل كان سعيدًا بحفظ مدارج العلوم ودمجها بركائز تغزو قلب الحاضرين عمقًا وكفاية. فكان لكل سنة ثوبٌ جديد، ومحفلٌ فريد، وموقفٌ عتيد.
روضَ الأسلوب قلوبَ مستمعيه، ووكّل الكلمة مسؤولية تربية ذهن المتلقي، فكان له في كل وطن منبرٌ تربويٌّ نشيط، يربّي الأجيال على نور محمدٍ وآل محمد، معتمدًا على وزن الجمع العقلي لكل الطوائف، وربط حلول معادلاتها الواقعية بالآخرة، ونعيم ثوابها عند الله. فاتفقت خصاله على الرحمانية، كأنّ الروح قد تعلّقت بالعرش.
وبهذا الطرح، جمع النفوس ولبّ اندهاشها على طاولة العلاج النفسي، وميزان قبول أعمالها في الآخرة، التي هي دار قرارها.
فتميّزت كلمته بالإنماء في ذات الطرح والسعة، وقادها الاتساع إلى واجهة مقبولة، فحفظها الصغير والكبير، العارف والمدير، وارتقى صداها قلوب روّاده. فأحبّوه، واتبعوه، وتبرّأوا من أعدائه، واتبعوا النور الذي بين يديه.
واكتسب أجر الدمعة في محفل التغيير، فجداول الحرية منبعها أصيل، وغذاؤها علم وفير، وعلى قدر عمره الجليل أعطى الكثير، وتحمّل الثقل الكبير لصياغة الفكر الحاضر، وكسب ثقة الكلمة وأمانتها، ودمجها مع أسلوب قائم على الفهم والتفاهم، ليتسنّى للفكرة أن تستقرّ بهدوء، وتنسج لنفسها ثوب الاستقرار على قدر المقال.
شاء الله تعالى أن يراك مظلومًا محتسبًا، وكل ما يقوله الأثير، فهو في حقك قليل يا سيدنا الجليل.
فأنت أيقونة جمعت المعارف، وفضحت المخالف، وأتممت حجة الكتائب، ودونتَ الحق، وكففتَ الجملة بالدليل، وزكّيتَ الجيل بخُلُقك الجميل، وقطعتَ بأنفاسك وتد الظنين، فكان نظرك سماحة، وظنّك يقين، وخنصرك إشارة دليل.
وهذا الأثير قد ضمّ ذكرك في الراحلين…
فسلام عليك وتقلبك في الساجدين.
اضافةتعليق
التعليقات