في لحظة ما، يستيقظ الإنسان ليجد أن الروح التي كانت تتهجد في صلاته قد نامت، وأن قلبه الذي كان يرتجف عند تلاوة القرآن أصبح جامدًا. كل شيء لا يزال في مكانه: السجادة، الأذكار، الحركات… لكن المعنى غاب.
ذلك الغياب لا يأتي بصوتٍ عالٍ، بل يتسلل بصمت، كما تفقد الصورة ألوانها تدريجيًا. هنا تبدأ أزمة "ضعف الإيمان" — وهي ليست فقط تراجعًا في الممارسات، بل غربة عن الذات، وانقطاع عن المصدر.
في العمق، الإيمان ليس فرضًا تؤديه، بل هو وعيٌ يُضيء داخلك. هو أن تعي أنك روح قبل أن تكون جسدًا، وأن الله لا يبحث عن عدد ركعاتك بقدر ما ينظر إلى رجفة قلبك حين تقف بين يديه. حين يتحوّل الدين إلى عادة، نخسر جوهره، ونبقي على قشوره.
تبدأ المعاناة حين يُستبدل الحضور بالروتين، والخشوع بالسرعة، والنية بالواجب. وهذا الانزلاق لا يُدركه الإنسان إلا بعد أن تفرغ نفسه من الطمأنينة، فيسأل نفسه: لماذا أشعر بهذا الجفاف؟ لماذا لا أشتاق إلى الله كما كنت؟ لماذا أصبحت صلاتي باردة، دعائي ضعيفًا، وعيني لا تبكي؟
الجواب في الفلسفة القديمة للإيمان: أن ما لا يُروى يموت، وما لا يُراجع يتآكل. الإيمان، كالعقل، يحتاج إلى غذاء مستمر: تأمل، تذكّر، عتاب داخلي، ومواجهة شجاعة مع النفس.
لا يمكن أن نعالج ضعف الإيمان بكثرة الأفعال وحدها، بل لا بد من صحوة فكرية وروحية. أن نتعلم من جديد كيف نُصلي، لا كيف نُركّع الجسد، بل كيف نُركّع القلب. أن نقرأ القرآن لا لعدد الصفحات، بل لعدد المرات التي يهتز فيها ضميرنا. أن ندعو الله كما ندعو صديقًا فقدناه طويلًا، لا كما نكتب طلبًا رسميًا.
في لحظة الصدق مع النفس، يبدأ العلاج. حين نقول: أنا لست بخير إيمانيًا… ويحق لي أن أعود، مهما تاهت روحي. فالله لا يقف على باب القلب بعصا، بل بيد مفتوحة.
وإن كان الإيمان هو الضوء، فالتأمل هو الزجاج الذي يُنقّيه، والتواضع هو المفتاح الذي يُبقيه. لا تخف من ضعفك، خف من أن تعتاد عليه. فالبدايات ليست ما يهم… النهاية هي الفاصلة.
اضافةتعليق
التعليقات