اسم الكتاب: الشهيد والثورة
الطبعة الأولى
عدد الصفحات 431
الكاتب: السيد هادي المدرسي
"عند الله لا وقت للجهاد، فكل الأوقات هي للجهاد، هذا قدرنا الذي لا مفر منه، فلا يكفي أن تكون مجاهداً خلال فترة من حياتك ثم تنسحب، كل لحظة أنت مطالب فيها بالجهاد، مع العدو أو مع النفس، لا فرق.. فالله لا يسألنا عن البداية فقط ولا عن النهاية فحسب، وإنما يسألنا عن كافة لحظات الحياة التي عشناها على وجه الأرض، كلها يجب أن تكون جهاداً... فما هو الجهاد؟ الجهاد هو: الثورة الدائمة في سبيل الله والحق والعدل والحرية … هكذا كانت حياة الحسين (عليه السلام)."
يذكرُ الكاتب إن الأمة الإسلامية في فترة الإمام الحُسين كانت تمر بأصعب فترة من فترات حياتها، إذ كانت تمر باضطراب فكري وحيرة وانقسام وتمزق. كانت فترة من (انعدام الرؤية) وكان الإسلام آنذاك يُفسّر حسب المصالح، فالتُجّار يُفسرون مبادئه بما يتفق مع نوعية معاملاتهم التجارية، والحكام يفسرونه حسب آرائهم، بينما كان العامة يُفسرونه وفق أهوائهم الشخصية.
وهكذا انقلب الإسلام من حيث العمل والموقف إلى آلاف الأديان رغم إنه كان واحداً من حيث الفكر والنظرية. ولذلك فإن الإسلام كان بحاجة إلى ثورة تُفسّر الإسلام تفسيراً واقعياً حقيقياً، وكان الإمام بإعتباره الوحيد الذي بإمكانه تحقيق ذلك، من خلال صنع ثورة في إطار من الطُهر وتحقيق غاية الإسلام.
لقد قلبت ثورة الإمام الحُسين الموازين على عدّة أصعدة:
1- على الصعيد الفكري: بدأ الإنسان المسلم يبحث عن هوية جديدة لفكره، حفّزت الثورة على بدء مرحلة جديدة من (فتح العيون) على زيف الأفكار المطلية بصبغة الإسلام.
2- على الصعيد الاجتماعي: خلقت ثورة الإمام أُسسا جديدة للولاء، إذ أطاحت بالتبعية القبلية، فثار العبيد على أسيادهم والقبائل على حكامها.
3- على الصعيد السياسي: وضعت الثورة النظام موضع المحاسبة وحددت مسؤوليات الحاكم وواجبات الناس وحقوقهم.
يذكر الكاتب: "من المؤكد أن الإمام الحسين (عليه السلام) لم يُقدم على الثورة من دون أن يكون مندفعًا بأهداف معينة، فالإمام لم يكن يرغب في الموت للموت.. ولا كان مغامرًا يعشق إحداث فوضى وبلبلة، وإنما كان صاحب قضية. فما هي قضيته؟ وما هي أهدافه؟".
ويُكمل "لا يجوز أن نحصر ثورة الإمام داخل قوقعة تغيير القائم على رأس النظام فحسب، فالنظام - أي نظام - ليس صدفة، إنما هو نتيجة أوضاع معينة، الأوضاع المعينة نتيجة رؤية معينة تنظر الأمة من خلالها إلى الأمور. من هنا فنحن لا يمكن أن نعتبر إسقاط الحاكم هدفًا لثورة الإمام، ولا هو صرّح بذلك، وإنما كان الهدف: بالإضافة إلى تغيير النظام، صنع ثورة داخلية في الإنسان، وتغيير الأفكار والرؤى، وتبديل العلاقات الاجتماعية، ومن ثم.. تغيير الأنظمة. إن قناعة الإمام، بأن أوضاع القائمة كلها شاذة، وأنها بحاجة إلى تغيير جذري في بنيانها، هي التي دفعته إلى الثورة."
يمكننا أن نختزل أهداف الثورة الحُسينية وفق ما ورد في الكتاب فيما يلي:
1. صنع «أمة رسالية»، أي بناء قاعدة جماهيرية تتخذ من حمل رسالة الإيمان بالله، والالتزام بقوانينه و شريعته، انطلاقة لها في الحياة.
2. بناء «مجتمع إسلامي»، يتخذ من الإسلام عنصراً جوهرياً في علاقاته وأنظمته، ودساتيره، ويبني كافة مواقفه وفق القواعد الإسلامية العامة.
3. حفظ «الحضارة الإسلامية» من التحريف، وإنقاذها من السقوط.
ولأن كل ذلك لم يمكن تطبيقه مع النظام القائم آنذاك، فقد حمل الإمام السلاح، وبدأ الثورة ضده. فهو لم يكن يشن حربًا عدائية، وإنما كان يشن حربًا رد عدوان قائم، وهو عدوان الوضع الشاذ، كما صرح هو بذلك: «إني لم أخرج أشرًا، ولا بطرًا، ولا ظالمًا، ولا مفسدًا… وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي. أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر. فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق. ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين.»
وكانت هذا المطالب نابعة من حقيقة كون الأمة كانت تعاني من الأمور التالية:
1. من الناحية الاجتماعية: كان الفساد، والرشوة، والغش، والظلم، وعدم تكافؤ الفرص، منتشرًا انتشارًا واسعًا. يقول الإمام الحسين: «ألا وإن هؤلاء، قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، و أظهروا الفساد...».
2. من الناحية الأمنية: لم تكن تقام الحدود، ومن ثم فلم يكن يعاقب المجرم على جريمته، ولا العاصي على معاصيه. وصرّح الإمام بذلك بقوله: «.. وعطّلوا الحدود».
3. من الناحية الاقتصادية: كانت هناك قلة تتحكم بمصائر الناس، وتتلاعب بأرزاقهم، ومقدراتهم المعيشية. و كما صرح الإمام: «استأثروا بالفيء»، دون الناس، وتصرفوا فيه كما أملت عليهم شهواتهم.
4. من الناحية الخلقية: كانت قيم الشيطان هي السائدة. فقد: «أحلوا الحرام، وحرّموا الحلال».
"لهذه الأوضاع.. ولصمت الذين كان عليهم الكلام على هذه الأوضاع - حتى أصبح اعتبارها «الحالة الطبيعية» للبلاد والعباد، ولموت روح الجهاد فيهم، ثار الإمام الحسين، ولكنه لم يكن يريد أن يغير الوجوه، ويقوم بإصلاحات سطحية على مستوى وقتي، وإنما كان يحاول أن يعيد قيم الإسلام الحقيقية، ولذلك فإنه يطلب من الناس أن يتبعوه فيما إذا وثقوا بأنه يمثل الحق، وينطلق من أجله: «فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق».
فهو لا يطلب أحدًا أن يتبعه لقرابته من النبي.. لكبر سنه.. لأنه من قريش.. لجهاده السابق، فكل ذلك قيم طيبة وشرف وكرامة، ولكنها ليست مقاييس للحاكم، وإنما «الحق» هو المقياس. فقبوله كحاكم إما يكون بقبول الحق، فهو ساعٍ إليه، وإذا قبل إنسان ما الحق فعليه أن يقبل الإمام لما يحمله إليه من الرفاه، والخير.
اضافةتعليق
التعليقات