ما أَجْنَسَ حبك أيها الحبيب، ليدفع الناس أرواحهم وراحتهم وأرجلهم وأيديهم كي يصلوا إليك؟ ليصلوا ويرفعوا أيديهم بكل حب ويقولوا: "لبيك داعي الله"...
عندما أنظر إلى كل هذه التضحيات والعطاء في سبيل الخدمة والزيارة والوصول، أسأل نفسي:
أيُّ حبٍ يحملون في قلوبهم ليجعلهم يتحملون كل هذا العناء؟
لماذا يرددون: "لَبَّيْكَ دَاعِيَ اللَّهِ، إِنْ كَانَ لَمْ يُجِبْكَ بَدَنِي عِنْدَ اسْتِغَاثَتِكَ، وَلِسَانِي عِنْدَ اسْتِنْصَارِكَ، فَقَدْ أَجَابَكَ قَلْبِي وَسَمْعِي وَبَصَرِي"؟
يا تُرى، ما معنى كلمة "لبيك"؟
هذه الكلمة التي تعلو في كل حين عند ضريحه المبارك... تعني كلمة "لبيك" لزومًا لطاعتك، أو إلبابًا بعد إلباب، أو اتجاهي إليك وقصدي وإقبالي على أمرك.
تعني الاستسلام المطلق لأمر ما؛ فعندما يقول الإنسان "لبيك"، فإنه يعني أنه جاهز لفعل أي شيء لأجل غايته.
هذه الكلمة تُبيّن عظمة الغاية وتأثيرها على الإنسان؛ حيث إن الإنسان يضحي بما لديه من مال أو نفس أو غيرهما لأجل المُلبّى له. ما هو نوع جوهر هذا الحب الذي يُلوِّن العالم، وينشر اسمك في كل مكان، ويجعل الجميع يهتف بأعلى صوت:
"بأبي أنت وأمي ونفسي وأهلي ومالي وولدي"؟
هذا الذي ينتظر الليالي والأيام كي يجمع بعض الدراهم ليُطعم زوار سيد الشهداء (عليه السلام)... وتلك التي تنذر ولدها كي يصبح ظلًّا يُقي زوار الحبيب من الحر، لعدم استطاعتها المشاركة بباقي أنواع الخدمات...
وتلك العجوز التي تضع صحن الرطب فوق رأسها كي لا تكون أقل من الطاولة الخشبية في الخدمة! وآلاف القصص المدهشة والمحيرة التي تجعلنا في محكٍّ مع أنفسنا: أين هم؟ وأين نحن؟
لماذا يقول - روحي فداه - في الزيارة: "أجابك قلبي"؟
لأن القلب هو مكان الحب، حيث إن الإنسان يفدي بكل ما لديه لأجل هذا الحب. القلب نقطة اتصال بين باقي الأعضاء.
والإمام صاحب الزمان (عجّل الله فرجه الشريف) يشير إلى مقام سيد الشهداء، حيث إنه كان داعي الله، وأنقذ العباد من الجهالة وحيرة الضلالة. ويُبيّن عظمة سيد الشهداء وما قام به، ومسؤوليتنا تجاه ذلك الإيثار الكبير.
والإنسان يستطيع بقلبه، وما يُخفيه في أعماقه، أن يكون مع الآخرين، ويُثاب أو يُذمّ.
إن الإيمان والعمل مراتب: (القلب، السمع، البصر،...).
علينا أن نجند جميع القوى في نصرة الحق، وأن نقدم رسالتنا حتى وإن وقفنا أمام ثُلّة كبيرة من الأعداء، لأن الله جل جلاله سوف ينصر أهل الحق عاجلًا أو آجلًا، وسينتشر هذا الخير حتى وإن فارقنا الحياة.
ونؤمن بقضيتنا؛ فمن كان مع الله، كان الله معه، وسوف ينصره ويُخلّده، حتى وإن مضت سنوات كثيرة. لا يمكن للإنسان أن يترك المساعدة بحجج التأخير؛ ففي كل زمان يستطيع أن ينصر الحق بطرق مختلفة.
ورغم أن بعض الأمور قد تكون خارجة عن إرادة الإنسان، إلا أنه لا ينبغي أن نسلّط الضوء على نقاط الضعف، بل يجب أن نستفيد من نقاط القوة، ونسأل أنفسنا: ماذا نستطيع أن نقدم؟ وبعد كل هذا العطاء والتضحية في قضية الأربعين، ما هو دورنا في المشروع القادم؟
الإمام المهدي دائمًا يُقدَّم في الأدعية والزيارات بأنه:
"يا ثار الله وابن ثاره"؛ يعني أن الإمام المهدي هو من سيأخذ بثأر الحسين، ويُكمل مشروعه، لذلك زيارة الأربعين هي:
تجديدٌ للبيعة، وإعلانٌ لاستعدادنا لنصرة الإمام المنتظر؛ حيث إن هذه الخطوات تمثل الغربلة والاصطفاء، بما تحمله من صبر، ونكران ذات، وتضحية، وعطاء، وثبات على طريق الحق رغم الصعوبات.
ملايين الزوار يشدّون الرحال من كل دول العالم، بدون قائد بشري يجمعهم، لكن بروحٍ واحدة... هذا المشهد يُثبت للعالم أن أمة الحسين مستعدة، وأن الأرض تنبض بداعي الله. وهذا هو القرار العملي في المشروع المهدوي: أن يكون المجتمع مؤمنًا، مهيّأً، متعبّدًا، متّحدًا، ومنتظرًا فاعلًا للظهور.
هذه القضية المباركة لا تزال ممتدة على طول الزمن، وتفتح الأبواب أمام الصغير والكبير، العرب والعجم، الرجال والنساء، بأن يُلبّوا الدعوة، وينصروا المشروع القادم بأي صورة. هل من ناصر؟
اضافةتعليق
التعليقات