• الرئيسية
  • كل المواضيع
  • الاتصال بنا
facebook twitter instagram telegram
بشرى حياة
☰
  • اسلاميات
  • حقوق
  • علاقات زوجية
  • تطوير
  • ثقافة
  • اعلام
  • منوعات
  • صحة وعلوم
  • تربية
  • خواطر

رفيقٌ ثقيل لا يُرحم وذكراه السنوية

زينب شاكر السماك / الخميس 14 تشرين الثاني 2024 / ثقافة / 1003
شارك الموضوع :

السكري ليس مجرد ارتفاع في سكر الدم، بل هو مرض قاسٍ يحتاج إلى عناية ومراقبة حثيثة

كنت في الخامسة عشرة من عمري حين سمعت لأول مرة أن أبي قد أُصيب بمرض السكري. لم أكن أستوعب تمامًا ما يعنيه ذلك المرض ولا مدى خطورته، وكنت أراقب أبي وهو يتصرف بلا مبالاة تامة. لا يأخذ علاجه بانتظام، ويتناول الحلويات غير مبالٍ، وكأن السكري مجرد شيءٍ عابر.

كانت أمي تحذره باستمرار، وجدتي تصرخ عليه بحزنٍ وحرقة: "سيقتلك هذا المرض!" لكن أبي كان يعاندها، مستهينًا بالنصائح التي تحاول الأسرة جاهدين أن يُقنعوه بها. كنت أرى هذا "الرفيق الثقيل"، كما كنت أسمعهم يسمونه، يظهر في حياتنا بشكلٍ غير مباشر. كان شيئًا غير مرئي لكنه يؤثر في كل شيء، ينغص مزاج أبي ويشعل القلق في عينيّ أمي.

مع مرور الوقت، بدأت ألاحظ أن أبي يواجه المزيد من الصعوبات. لم يعد نشاطه كما كان، وتراجعت عافيته ببطء كئيب. وأمي، التي كانت تتوسل إليه ليأخذ علاجه، ازداد خوفها وحزنها حتى أصبح القلق جزءًا من حياتنا اليومية. كان في عروق أمي وعباراتها المرهقة، وفي أنفاس الأسرة ككل. وكنت أنا، رغم صغري، أبدأ في استشعار ذلك القلق ينساب في داخلي، خوفًا من أن أفقد والدي، وهو يتراجع تحت وطأة هذا المرض القاسي.

لكن أبي، على الرغم من كل تلك التحذيرات، استمر في عناده. ولم أدرك حقًا مدى وحشية السكري إلا عندما صحوت في صباحٍ مشؤوم لأجد أبي بقدمٍ واحدة. كان ذاك اليوم كابوسيًا لم أستطع نسيانه أبدًا، وكأنه صدمة قلبت حياتي رأسًا على عقب. السكري لم يلتهم قدم والدي فقط، بل أكل شيئًا من قلبي أيضًا. شعرت حينها أنني فقدت قوة ظهري وسندي، وأن جزءًا من حياتي قد تم بتره مع بتر قدم أبي. ذاك اليوم، تغير كل شيء، فوالدي بعد هذا الحدث لم يعد هو الشخص الذي عرفته.

كانت صورة أبي وهو يجلس، عاجزًا عن المشي بشكل طبيعي، صورة لم تفارق مخيلتي. كنت أنظر إليه وقد فقد جزءًا من جسده، ومن نشاطه، وأصبح لديه ذاك "الرفيق الثقيل" الذي يستنزف قوته وأحلامه ببطء. لم أعد أرى الأمل الذي كان في عينيه بدأ الوجع يترسخ في ملامح وجهه، وصار الحزن جزءًا من حياته، وبدأنا جميعًا نعيش انعكاس هذا الرفيق المقيت، فكلما نظرنا إلى أبي، كنا نرى آثار السكري واضحة عليه.

بعد بتر قدمه، لم يكن الأمر مجرد مسألة جسدية، بل كان السكري يأكل من نفسية أبي رويدًا رويدًا، ومن نفسي أيضًا. كنا نعيش في ظل هذا المرض، الذي أصبح جزءًا من يومياتنا، رفيقًا غير مرئي يذكرنا دومًا بأنه حاضر، وبأنه لا يغفر الإهمال. وذاك الدرس الذي تركه السكري في أسرتنا لم يكن درسًا عابرًا؛ بل كان درسًا عميقًا بأن الإهمال في مرض السكري قد يدمر حياة كاملة، ويمحو أحلامًا كانت يومًا ما قريبة.

إن السكري ليس مجرد ارتفاع في سكر الدم، بل هو مرض قاسٍ يحتاج إلى عناية ومراقبة حثيثة. ليس مجرد أعراض عابرة، بل هو زائر ثقيل قد يلتهم الإنسان تدريجيًا إذا لم يُحكم التعامل معه. أدركت أن السكري يضع بين أيدينا خيارين فقط: إما أن نلتزم بنظامه ونتعلم كيف نعيش معه بوعي، أو نتركه يلتهم أجسادنا بصمت ودون رحمة.

وهذا هو السبب الذي جعل المجتمع العالمي يحتفي بيوم خاص للسكري، في الرابع عشر من نوفمبر من كل عام. يوم عالمي لرفع الوعي بهذا المرض الخطير وتوعية المصابين بضرورة التحكم فيه بحذر. يُعد هذا اليوم فرصة لنشر الوعي وتشجيع المصابين وغير المصابين على الالتزام بالوقاية والاهتمام بصحتهم.

لقد كان السكري رفيقًا ثقيلًا في حياة والدي، وحملًا لم يبارحنا حتى بعد كل تلك المعاناة. أصبح درسًا يوميًا بأن الإهمال قد يؤدي إلى نهاية مأساوية، وأن الألم الذي أراه في عيني والدي هو تذكير لي بأن الصحة ليست مجرد شعور، بل هي مسؤولية. يوم السكري العالمي هو يومٌ لتذكير الجميع بأن هناك عدوًا صامتًا يعيش بيننا، يتسلل ببطء، ويصيب الجسد والنفس، ويضعنا في مواجهة اختبار طويل لا ينتهي.

كلما مرّت بي ذكرى ذلك اليوم الكئيب، شعرت بأهمية هذا الوعي، وأهمية الاستفادة من تجربة والدي. علينا ألا نستسلم له، بل نتعلم كيف نقهر هذا الرفيق الثقيل الذي قد يكون عدوًا قاسيًا إذا ما أُهمل، وصديقًا محتملًا إذا ما تعاملنا معه بوعي ورعاية.

امراض
الصحة
الطب
قصة
الاسرة
ايام عالمية
شارك الموضوع :

اضافةتعليق

    تمت الاضافة بنجاح

    التعليقات

    آخر الاضافات

    عادة يومية توصلك للحياة الطيبة

    التفكير وعلاقته بحالتنا النفسية

    دراسة جديدة: بخاخ أنف شائع قد يساعد على الوقاية من "كوفيد-19"

    الإمام الصادق.. بين المحنة وصناعة المستقبل

    المرايا المشوّهة: كيف نصنع انعكاساً أوضح لأنفسنا؟

    ظواهر علم الإمام الصادق

    آخر القراءات

    اشعارات الهاتف.. دُفعات من البهجة المتعبة للعقل

    النشر : الأثنين 07 تشرين الثاني 2022
    اخر قراءة : منذ 13 دقيقة

    طرق للتنفيس عن الغضب.. تعرف عليها

    النشر : الخميس 04 آذار 2021
    اخر قراءة : منذ 13 دقيقة

    الكرونوفوبيا: الرهاب من المستقبل

    النشر : الثلاثاء 08 آب 2023
    اخر قراءة : منذ 13 دقيقة

    عشائر بني اسد.. تُجدد الولاء لشهداء واقعة الطف

    النشر : الأثنين 24 ايلول 2018
    اخر قراءة : منذ 13 دقيقة

    المدارس الاهلية.. بين الخدمات العالية ومستوى التعليم المتدني

    النشر : الثلاثاء 26 كانون الأول 2017
    اخر قراءة : منذ 13 دقيقة

    اخطبوط العصر الحديث

    النشر : الخميس 26 آيار 2016
    اخر قراءة : منذ 13 دقيقة

    الأكثر قراءة

    • اسبوع
    • شهر

    من درر شيخ الأئمة: "أن تنجو بنفسك… هو أرقى رد"

    • 536 مشاهدات

    مولد النور: في ذكرى البعثة المحمدية التي أنارت للبشرية الدرب

    • 475 مشاهدات

    الولادة النبوية.. رسالة كونية غيبية

    • 411 مشاهدات

    الإمام الصادق: رؤيته لقضايا المجمتع ومعالجة مظاهر الإنحراف

    • 361 مشاهدات

    دليل المرأة المسلمة في العشرة الزوجية المباركة

    • 359 مشاهدات

    الرأسمعرفية: المفهوم والدلالات

    • 337 مشاهدات

    بحر الزائرين: ذكرى استشهاد الإمام العسكري تعيد رسم خريطة الولاء في سامراء

    • 1192 مشاهدات

    الشورى: وعي ومسؤولية لبناء مجتمع متكامل.. ورشة لجمعية المودة والازدهار

    • 1156 مشاهدات

    الإمام الحسن العسكري: التمهيد الهادئ لعصر الغيبة

    • 1090 مشاهدات

    العباءة الزينبية: رمز الهوية والعفاف في كربلاء

    • 1078 مشاهدات

    اللغة الإنجليزية عقدة الجيل: لماذا نفشل في تعلمها رغم كثرة الفرص؟

    • 1061 مشاهدات

    مشاعرُ خادم

    • 660 مشاهدات

    facebook

    Tweets
    صحيفة الكترونية اجتماعية ثقافية بادارة جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية

    الأبواب

    • اسلاميات
    • حقوق
    • علاقات زوجية
    • تطوير
    • ثقافة
    • اعلام
    • منوعات
    • صحة وعلوم
    • تربية
    • خواطر

    اهم المواضيع

    عادة يومية توصلك للحياة الطيبة
    • منذ 24 ساعة
    التفكير وعلاقته بحالتنا النفسية
    • منذ 24 ساعة
    دراسة جديدة: بخاخ أنف شائع قد يساعد على الوقاية من "كوفيد-19"
    • منذ 24 ساعة
    الإمام الصادق.. بين المحنة وصناعة المستقبل
    • الأحد 14 ايلول 2025

    0

    المشاهدات

    0

    المواضيع

    اخر الاضافات
    راسلونا
    Copyrights © 1999 All Rights Reserved by annabaa @ 2025
    2025 @ بشرى حياة