في زحمةِ العالم الرقمي، حيثُ تضيعُ الكلماتُ بين ومضاتِ الشاشاتِ العابرة، تظلُّ الكتبُ شموسًا لا تُغيبها السُّحب. يومُ الكتابِ العالمي ليسَ مجرَّدَ احتفالٍ بالحروفِ والورق، بل هوَ إعلانٌ صريحٌ بأنَّ المعرفةَ لن تتوقَّفَ عنِ العبورِ عبرَ الزمنِ والحدود. هنا، حيثُ تلتقي الأجيالُ على مائدةِ القصصِ ذاتِها، وتُبنى الجسورُ بينَ الشرقِ والغربِ بكلمةٍ تُقرأ، أو فكرةٍ تُشرِقُ في عقلٍ يبحثُ عن نور.
هدى المفرجي / كاتبة، تقول:
"الكتاب وِعَاءٌ للحياة، وعلاقتي معه أبدية"
"الاحتفال بالكتب ليس حدثًا تقويميًا بالنسبة لي، بل هو حوارٌ يوميٌّ أحمله في تفاصيل وجودي. الكتب أصدقاء أوفياء، وقصةُ حبٍّ لا تنتهي بانتهاء الصفحات. لهذا لا ألهث خلف التواريخ الرسمية، لكن إن شاركتُ في يوم الكتاب العالمي، فسأصنع بصمتي الخاصة".
طريقتها في الاحتفاء بالكتب:
الكتاب هديةُ روح: إهداء نسخة من كتابٍ أثَّر فيها لشخصٍ ترى أن رسالته ستلامس وجدانه.
حوار الزمن عبر الكتب: إعادة قراءة مقاطع من كتبٍ شكّلت مسارها، لترصد تحوّلات ذاتها بين «أمس» الأفكار و«اليوم» الرؤى.
كتابها المفضل: رواية "أنا قبل كل شيء" للجوهرة الرمال، تصفها هدى: «كانت صفعةً حنونة أيقظتني من سبات التنازلات. تتحدث الرواية عن الحب الذاتي كأساسٍ للوجود، وضرورة رسم الحدود قبل أن تذوب هويتك في رغبات الآخرين. إنها مرآة لكل من يعيش صراعًا بين "ذاته الحقيقية" و"الذات التي يفرضها المجتمع"».
رسالتها: «أتمنى أن يقرأها كل من يشعر أنه يذوب في محيطه، أو يبحث عن توازنه في عالمٍ يجرّده من فردانيته».
وصفة تشجيع القراءة في زمن التكنولوجيا: الاندماج لا المواجهة.
كخبيرة عاشت في عالميْن (الورقي والرقمي)، تقدم هدى حلولًا ذكية:
الكتب الصوتية: لاستقطاب الأطفال الذين يفضلون عالم الأصوات.
تطبيقات تفاعلية: تدمج القصص مع ألعاب تعليمية، مثل نصوصٍ ناقصة يُكملها القارئ وفق خياله (إحياءً لفن "النصوص المفتوحة").
منصات القصص الرقمية (مثل Wattpad): لجذب المراهقين عبر حكايات تعكس تحدياتهم واهتماماتهم.
القدوة العملية: أن يرى الأطفال آباءهم يقرأون كتابًا إلكترونيًا أو ورقيًا بدل التمرير العشوائي للشاشات.
القراءة: حُرية قبل أن تكون واجبًا.
تختم حديثها برسالة مؤثرة:
«لا تصنعوا من القراءة عبئًا، بل اجعلوها اختيارًا حرًا ينبع من الشغف. كلُّ طفلٍ يحمل مفتاح عالمه السحري، دورنا أن نعطيه الأدوات لا الأوامر. عندما نتحدث بلغة قلوبهم، سنزرع فيهم حبَّ الكتب كما نزرع بذورًا في تربةٍ خصبة... عندها سيقعون في الحب، مثلي تمامًا!».
جنان الرويشدي / تدريسية تبدي رأيها:
طرق مبتكرة للاحتفال بيوم الكتاب وتشجيع القراءة
حدثتنا الكاتبة جنان الرويشدي قائلة: لا يقتصر الاحتفال بيوم الكتاب على التذكير بأهمية القراءة، بل يتعداه إلى تحويلها إلى ممارسة حيوية في المجتمع. فيما يلي أفكار إبداعية لتحقيق ذلك:
فعاليات قراءة تفاعلية:
تنظيم جلسات قراءة حية في المكتبات أو المدارس أو المراكز الثقافية، مع اختيار نصوص متنوعة تتناسب مع الفئات العمرية، وتخصيص وقت للحوار حول الأفكار والشخصيات لتعميق الفهم وإثارة الاهتمام.
مبادرات توزيع الكتب المجانية:
تبني حملات لتوزيع كتب مجانية ذات محتوى جذاب على الأطفال والشباب في الأماكن العامة أو خلال المناسبات الثقافية، مع مراعاة تنوع الموضوعات لتناسب مختلف الأذواق.
مسابقات تحفيزية للقرّاء الصغار:
تصميم مسابقات تنافسية تركز على قراءة كتب محددة، مع منح جوائز رمزية تشجيعية (كعلامات كتب، أو إصدارات خاصة) لتعزيز روح المنافسة الإيجابية.
أندية قراءة تفاعلية:
تأسيس نَوادٍ قرائية في الأحياء أو المؤسسات التعليمية، تُناقَش فيها الكتب بشكل دوري، مع إتاحة مساحة لتبادل الآراء وتنظيم لقاءات مع كتّاب ومتخصصين.
توظيف منصات التواصل الاجتماعي:
استخدام الوسائل الرقمية لنشر مقاطع مرئية أو تدوينات تلخّص الكتب، أو إنشاء تحديات قرائية (مثل #تحدي_القائمة_الشهرية)، مع تشجيع المتابعين على مشاركة تجاربهم القرائية.
رحلات استكشافية إلى المكتبات:
تنظيم زيارات جماعية للمكتبات العامة أو المتخصصة، مع تقديم جولات تعريفية بأنظمة التصنيف والاستعارة، وإبراز الكتب النادرة أو الإصدارات الحديثة لجذب الجمهور.
ورش عمل لصناعة القارئ النهم:
عقد ورش تدريبية تُعلِّم فنون اختيار الكتب، وتقنيات القراءة السريعة، وأساليب تدوين الملاحظات، مع تخصيص جلسات للأطفال لربط القراءة بالأنشطة الإبداعية (كالرسم أو التمثيل).
تُوصي الرويشدي بعددٍ من الكتب التي تراها أساسية لكل فرد، لما لها من دورٍ في تحسين مهارات التواصل وفهم العلاقات الزوجية، خاصةً في ظل انتشار المشكلات الأسرية بالمجتمع العراقي الناجمة عن جهل كل طرف باحتياجات الآخر. ومن أبرز هذه الكتب:
"لغات الحب الخمس" (لغاري تشابمان): يُعين على فهم طرق التعبير عن المشاعر بأساليب تتناسب مع شريك الحياة.
"الرجال من المريخ والنساء من الزهرة" (لجون غراي): يُسلط الضوء على الاختلافات النفسية بين الجنسين وكيفية التعامل معها.
"قواعد السطوة" (لروبرت غرين): يقدم نصائح حول فنون التأثير الإيجابي في العلاقات.
"ربما عليك أن تُكَلِّم أحدًا" (لوري جوتليب): يستعرض تجارب واقعية لتعزيز الوعي العاطفي.
أما رقية الربيعي / طالبة، فقالت:
مبادرات فردية تُلهم المجتمع
في هذا الإطار، شاركت الطالبة رقية الربيعي تجربتها مع اليوم العالمي للكتاب، حيث قالت: «أحرص على توزيع كتب مجانية على الأطفال في المدارس والأماكن العامة، إلى جانب استخدام منصات التواصل الاجتماعي لنشر مقاطع فيديو قصيرة لمشاهير يقرؤون من كتبهم المفضلة». وأضافت: «كتابي المفضل هو الأمير الصغير، الذي لا يُعتبر مجرد قصة عن طفلٍ فضولي، بل مرآةً تعكس تناقضات الكبار وتذكيرًا بأن أعمق الحقائق لا تُرى بالعين، بل تُدرك بالقلب. أتمنى أن يقرأه الجميع ليعيدوا اكتشاف البراءة والحكمة الكامنة بداخلهم».
استراتيجيات مبتكرة لجذب الشباب:
كما أوضحت الربيعي عددًا من الاستراتيجيات الحديثة لتشجيع القراءة، منها:
تصميم قصص رقمية تفاعلية تحتوي على ألغاز ومهام تُكمل عبر الهاتف، لتحويل القراءة إلى مغامرة جذابة.
تشجيع الأطفال على كتابة روايات مصغّرة من خلال مدونات أو مجموعات واتساب، مع دعمهم بنشر أعمالهم وإبراز إبداعاتهم.
هذه المبادرات لا تُعزز حب القراءة فحسب، بل تُحوّلها إلى ممارسة حيوية تتفاعل مع اهتمامات الأجيال الجديدة وتقنيات العصر، مما يضمن استمرارها كجذوة إلهام في عالمٍ متغيِّر.
كرنفالات مدرسية
أما زينب مصطفى/ خريجة، فتقول:
وقالت زينب مصطفى / خريجة: «أحتفي بيوم الكتاب العالمي من خلال كرنفالات مدرسية مع أنشطة فنية وتحديات قراءة ممتعة، ومشاركة فيديوهات إبداعية على تيك توك أو إنستجرام (مثل تقمّص شخصيات كتب)».
ونوهت حول كتابها المفضل قائلة: «رواية أرض زيكولا (ندى خوري)، رواية خيالية تحفّز على مواجهة التحديات بقوة الأحلام».
وحول كيفية تشجيع الشباب والأطفال على القراءة، قالت: «أختار كتبًا قريبة من اهتمامات الشباب والأطفال (مغامرات، كتب برسومات)، وأحوِّل القراءة إلى نشاط اجتماعي (منافسات بنقاط، نادي كتاب عائلي)».
القراءة كـ"فعل مقاومة" في عصر السرعة
الكتب ليست أرففًا مغبرة، بل أسلحةٌ ضدَّ الجهل، ووقودٌ للإبداع. رسالة اليوم العالمي للكتاب ليست "اقرأوا أكثر"، بل "اقرأوا بعمق". اقرأوا كأنّكم تزرعون بذورًا في عقول الأجيال القادمة، اقرأوا كأنّ الكتب مرايا تُعيد لكم اكتشاف أنفسكم كل يوم.
اضافةتعليق
التعليقات