ليس النقاء أن تعيش حياة سهلة، بل أن تخرج من المعارك وقلبك ما زال دافئاً. وليس البراءة أن تجهل قسوة العالم، بل أن تراها… وتختار ألّا تشبهها.
هناك أناس حين تراهم، تدرك أن الزمن لم ينتصر عليهم. مرت بهم خسارات، وكسرتهم الأيام مرات، ومع ذلك ما زالوا يبتسمون كأنهم يملكون سراً خفياً للحياة.
هؤلاء يشبهون المطر؛ ينزل على القلوب اليابسة فيعيد إليها الحياة، ينثر بذور الأمل في أرض القحط. يعرفون أن البشر قد يخذلونك، لكنهم لا يزالون يثقون.
يعرفون أن الأبواب قد تُغلق، لكنهم لا يتوقفون عن الطرق، لأنهم يؤمنون بأن وراء كل باب مغلق هناك بداية جديدة تنتظرهم.
يعرفون أن الكلمات قد تجرح، لكنهم لا يبخلون بكلمة طيبة، لأنهم يعلمون أن الكلمة الطيبة قد تشفي جرحاً عميقاً لا يراه أحد.
قوتهم ليست في عضلاتهم ولا في صلابة ملامحهم، بل في تلك المساحة الطفولية داخلهم التي لم يستطع أحد أن يفسدها. مساحة تكفي لأن يفرحوا برائحة المطر بعد طول انتظار، وأن يندهشوا من ضحكة طفل بريئة، وأن يمنحوا قلبهم بصدق وكأنه لن يُكسر أبداً.
هم الذين يحتفظون بقدرتهم على الحلم، رغم تجاعيد الواقع حولهم. هم الذين يستمعون إلى صمت الليل كما يستمع الطفل إلى قصص الأمهات، مليئين بالأمل والتوق إلى غد أجمل.
هؤلاء يعلّموننا أن النضج الحقيقي ليس أن نصبح أكثر قسوة، بل أن نصبح أكثر رحمة. أن نعرف العالم كما هو، بكل قسوته وظلمه، ثم نختار أن نكون أجمل منه، بأن نختار الحب بدلاً من الكراهية، والعطف بدلًا من الجفاء
تخيل لو أن كل إنسان احتفظ بشيء من براءة طفولته… كم كان سيكون هذا العالم أهدأ، وأدفأ، وأجمل. كم كانت القلوب ستتقارب، والابتسامات ستتكرر، والآمال ستولد من جديد في كل صباح.
فإذا قابلت إنساناً ما زال يملك تلك اللمعة في عينيه، لا تتركه يمضي بلا أن تخبره أنك ترى فيه شيئاً نادراً.
لأن الحياة قد تصنع رجالاً، لكن القليل فقط هم من يحتفظون بأرواح الأطفال التي تضيء في الظلام.
وهنا، قبل أن تودع هذه الكلمات، اسمح لنفسك أن تتوقف للحظة… وتتساءل:
• ما هو ذاك الضوء الخافت من البراءة الذي ما زال ينبض بداخلك؟
• كيف تحافظ على دفء قلبك وسط عواصف الحياة المتلاحقة؟
• هل تذكرت لحظة رأيت فيها شخصاً يزرع الأمل كما يفعل المطر؟ وكيف أثرت تلك اللحظة فيك؟
• هل تؤمن بأن البراءة الطفولية قادرة على البقاء حيّة في أعماقنا رغم كل شيء؟ ولماذا؟
هذه الأسئلة ليست سوى دعوة للحلم، للتأمل، لتجد في داخلك ظلّ البراءة المختبئ… ذلك السرّ الذي يجعل الحياة تستحق أن تُعاش.
اضافةتعليق
التعليقات