• الرئيسية
  • كل المواضيع
  • الاتصال بنا
facebook twitter instagram telegram
بشرى حياة
☰
  • اسلاميات
  • حقوق
  • علاقات زوجية
  • تطوير
  • ثقافة
  • اعلام
  • منوعات
  • صحة وعلوم
  • تربية
  • خواطر

نشيج الأرجوان

زينب الاسدي / الأربعاء 31 آب 2022 / ثقافة / 1675
شارك الموضوع :

كانت تفوح في الأرجاء رائحة الياسمين الدمشقيّ القادمة من حدائق المَلِك المجاورة تتخلّلها أحيانًا رائحة أشنع

 الشوكة

وصل الليل ثقيلًا كالكابوس وأنا أتدحرج في خرائب المجهول بعد يوم طويل شاقّ ومضن، كان التعب ينخر أعماقي المتهالكة وثمّة شوك لا يني يخزني في باطن قدمي اليسرى يزيد أوجاعي تراكمًا موحشًا.

كانت تفوح في الأرجاء رائحة الياسمين الدمشقيّ القادمة من حدائق المَلِك المجاورة تتخلّلها أحيانًا رائحة أشنع زهومة من سمك متفسّخ تنبعث من أرض الخربة التي تمّ احتجازنا فيها، تَزكُم الأنف وتَهَب الواقع لمسة كريهة أخرى.

في السماء كانت النجوم تغمز الخليقة غير مكترثة بالزمن العابث بالدمى البشريّة، كانت إحداها تلتمع بإيقاع مختلف، تمنّيت لحظتها أن أُصبح مثلها صغيرة، لامعة تزفّ الضياء للأرواح الذاوية كلّما أطلّت في المساء عبر القرون المتمادية.

تحرّكتُ يمنة ويسرة فَسَرَتْ نفضة مؤلمة لضربة سوط على كتفي تَرَكتْ جرحًا ينتفضُ كلّما يطرُقُ النعاس جفوني.

كان محمّد يتقلّب في الجانب الآخر يتوسّد التراب ويلتحف السماء إلى جانب أخي السجّاد الذي أخَذَتْ منه العلّةُ كلّ مأخذ فلم يتبقَّ منه سوى شبح إنسان يحاول انتشال ذاته المتناثرة في صروف الأيّام.

كانت عينا محمّد مفتوحتين تلتمعان كدرّتين متلألئتين وكأنّه يفكّر بأمر ما، بدا ذلك واضحًا في ملامحه الصغيرة ذات الأربعة أعوام.

أخذتُ أُحصي أصوات الليل المنبعثة من تَدحرُج الحصى إثر تقلّب النائمين، صليل القيود، ضحكات الجنود المجلجلة عند الباب، وأنين لوجع خافت يطفح فوق ذرى الفجيعة.

لاحَظَت عمّتي ارتحال النوم من عيني فجاءَت ووَضَعَتْ رأسي في حضنها فغمرتني موجة هادئة غفوت على إثرها.

عالم النائمين عجيب وغريب وكأنّه باب يفتحه الإله ليهبك النسيمَ في يوم قائظ فيُحيلُ صحاريك القاحلة إلى وديانٍ وسهولٍ ونهرٍ عذب يُطرب خريرُه الأسماع.

رأيتُ في تلك الليلة والدي عائدًا من انفراجات المجهول يتسربل بأثواب من الاستبرق والحرير، مضمّخًا بعطر الجنان، حضنني وعصرني عصرة شعرتُ بضغطها وأنا أستمع لدقّات قلبه المنتظمة، لَمَستُ وجناته الباسمة، مسّدتُ لحيته وأبحرتُ في عينيه فوجدتُ أوكارًا للصقور تُفصح عن شموخ لم أجده في عيون أحد من قبل، رافق ذلك ابتسامةٌ عذبة ورجاءٌ ناعم طفحتْ به الأحاسيس وهو يومئ بإشارة تدعوني إليه.

تصاعَدَتْ أنفاسي واشتدّ النبض في قلبي، تمسّكتُ به بكلّ ما أُوتيتُ من قوّة خوفًا من أن يقرّر السفر مرّة أخرى ويتركني!

غرقتُ في غمرة لذّة غسقيّة طَرَبَتْ لها نفسي، مفادُها أنّه لقاء أبديّ لا فراق بعده، ولكن تلك الشوكة اللعينة نغزتني مرّة أخرى فتبدّد الحلم وطار فجأة كما جاء وانبرى الطيف يتشبّث بتلابيب خواطري المضمحلّة ويغيب في اللامكان، بينما رحتُ ألوذ بالصراخ والبكاء كخيط أمل رفيع علّ أحدهم يعيد لي والدي.

السابلة

وصلنا الشام أخيرًا بعد رحلة موحشة رافقتنا فيها الشياطين قافزة من حولنا ومكشّرة عن أنياب يَعلوها القَلَح تهوي بسياطها علينا لترتشف من آمالنا نسغ التسافل المتمادي.

اجتزنا بوّابة الساعات نجوس الطرقات العارجة الملتوية تطعنُنا العيون كالنصل المسنون وتستقبلنا الزغاريد والأهازيج ودمدمة الطبول التي تُثير عفونة الأعماق وتختلط معها بمزيج واحد من النتانة، بينما نسير مكبّلين بالحديد نترنّح كأعواد يابسة أو كهشيم تذروه الرياح.

وصلنا إلى خربة قرب المساء، كانت رقيّة متهالكة تستتر بثوبٍ بالٍ تَمَزَّقَ في أذياله وحناياه، حافية كما نحن جميعًا، تشتكي من شوكة في قدمها بين الفينة والأخرى فتتماوج الحيرة في عيني عمّتي، ارتميتُ في ركن أحاول النوم جاهدًا ولكنّه تجافى عنّي عندما عاودني التفكير بطريقة يمكن إخراج الشوك من الأقدام الصغيرة، أدخلتني الفكرة في دروب ملتوية، لاح في خاطري الملقط الذي كانت والدتي تستخدمه عند نقل الجمار في عمليّة الطهي والخَبز، شيء مثل هذا يمكن أن يفي بالغرض، أهمّ ما في الأمر أن يكون صغيرًا ودقيقًا يلائم رأس الشوك النابت وفجأة لاحت لي فكرة، لو أخذنا سعفتين مدبّبتين وقمنا بربطهما بطريقة مُعيّنة سنشكّل ملقطًا ربّما يساعدنا في ذلك.

اجتاحتني هالة طمأنينة لهذا الحل وغرقتُ في نوم عميق فُقتُ منه مرارًا من صوت رقيّة ولكنّي عدتُ للنوم مرّة أخرى من شدّة التعب ظنّي أنّها تتألّم من الأشواك وأنا أعزِم على صناعة الملقط في الصباح.

استيقظتُ مع أولى تباريح الفجر على أصوات الصراخ والعويل التي اشتدّت من كلّ جانب، كانت عمّتي تلتاع وتتحرّق بصورة مخيفة هذه المرّة وأبي بدا كجثّة هبط إلى الأرض متكوّرًا مُثقلًا بهموم الليلة الليلاء، كانت رقيّة مسجيّة في ركن دون حراك، لعلّها نائمة!

رحتُ أبحثُ عن سعفة يابسة في الجوار، قطعتُ منها جزئين مدبّبين ربطتُهما بصورة متقابلة بخيط سحبتُه من ثوبي البالي وتسلّلتُ خلسة حتّى اقتربتُ منها، كانت نائمة وكأنها في حضن الملائكة، رفعتُ الملاءة فانكشفتْ قدماها الصغيرتان، انحنيتُ قليلًا فبانتْ رأسُ الشوكة المدبّبة، مددتُ يدي وبحركة دقيقة موزونة أمسكتُ بها وسَحَبتُها من قدمها.. ولكن لم تُسعفني السعفة البالية فانكسر رأسُها وانكسرت تباعًا الآمال البلوريّة الشفيفة التي صيقلتُها في أتون المساء؛ فتراجعتُ إلى الوراء وأنا أفكّر: لابدّ من طريقة أخرى..

عاشوراء
الامام الحسين
الظلم
قصة
الطفولة
السيدة رقية
شارك الموضوع :

اضافةتعليق

    تمت الاضافة بنجاح

    التعليقات

    آخر الاضافات

    الصمت الذي أنقذ أمة.. قراءة في الحكمة المغيَّبة من إرث الإمام الحسن

    الخاسرون في اختبار الولاية

    ذكرى استشهاد الإمام الحسن المجتبى ونصائح للشباب

    دراسة تحذر من آثار استخدام الهواتف الذكية على الأطفال

    أقحوانة الخربة: طفلة زلزلت عرش الطغيان

    السيدة رقية: فراشة كربلاء وصرخة المظلومية الخالدة

    آخر القراءات

     تأثير الأفعال على المجتمع.. من درر باقر العلوم

    النشر : السبت 13 كانون الثاني 2024
    اخر قراءة : منذ ثانية

    ما هو مصير المنتظر الذي مات قبل الظهور؟

    النشر : السبت 06 كانون الثاني 2024
    اخر قراءة : منذ ثانية

    دعاء زمن الغيبة الأغر وتحقق ثبات المُنتَظِر

    النشر : الثلاثاء 26 ايلول 2023
    اخر قراءة : منذ ثانية

    حتى لا تشعر بالوحشة أيام مراسيم الحج

    النشر : الأحد 16 حزيران 2024
    اخر قراءة : منذ ثانية

    ضجيج الضياء

    النشر : الخميس 29 تموز 2021
    اخر قراءة : منذ ثانية

    قضية تحت المجهر.. ورشة أقامتها جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية

    النشر : الأربعاء 09 آب 2023
    اخر قراءة : منذ ثانيتين

    الأكثر قراءة

    • اسبوع
    • شهر

    السيدة رقية: فراشة كربلاء وصرخة المظلومية الخالدة

    • 996 مشاهدات

    التواصل المقطوع

    • 744 مشاهدات

    أقحوانة الخربة: طفلة زلزلت عرش الطغيان

    • 636 مشاهدات

    الإمام السجاد: نور العبادة وشهيد الصبر

    • 618 مشاهدات

    ذكرى استشهاد الإمام الحسن المجتبى ونصائح للشباب

    • 583 مشاهدات

    السيدة زينب ونهضة المسير

    • 441 مشاهدات

    في ذكرى هدم القبة الشريفة: جريمة اغتيال التاريخ وإيذانٌ بمسؤولية الشباب

    • 1071 مشاهدات

    كل محاولاتك إيجابية

    • 1049 مشاهدات

    السيدة رقية: فراشة كربلاء وصرخة المظلومية الخالدة

    • 996 مشاهدات

    كربلاء في شهر الحسين: رحلة في عمق الإيمان وصدى الفاجعة

    • 972 مشاهدات

    زينب الكبرى: لم تكن عاديةً قبل الطف.. والطف لم يُصنعها بل كشف عظمتها

    • 844 مشاهدات

    التواصل المقطوع

    • 744 مشاهدات

    facebook

    Tweets
    صحيفة الكترونية اجتماعية ثقافية بادارة جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية

    الأبواب

    • اسلاميات
    • حقوق
    • علاقات زوجية
    • تطوير
    • ثقافة
    • اعلام
    • منوعات
    • صحة وعلوم
    • تربية
    • خواطر

    اهم المواضيع

    الصمت الذي أنقذ أمة.. قراءة في الحكمة المغيَّبة من إرث الإمام الحسن
    • منذ 8 ساعة
    الخاسرون في اختبار الولاية
    • منذ 8 ساعة
    ذكرى استشهاد الإمام الحسن المجتبى ونصائح للشباب
    • منذ 8 ساعة
    دراسة تحذر من آثار استخدام الهواتف الذكية على الأطفال
    • منذ 8 ساعة

    0

    المشاهدات

    0

    المواضيع

    اخر الاضافات
    راسلونا
    Copyrights © 1999 All Rights Reserved by annabaa @ 2025
    2025 @ بشرى حياة