اسم الرواية: أخف من الهواء
الكاتب: الأرجنتيني فدريكو جانميير
عدد الصفحات: 177
لعلّها الرواية الوحيدة المعروفة في العالم العربي لهذا الكاتب الأرجنتيني، ولا يرجع السبب في هذا إلى قلّة الإنتاج الأدبي لهذا الكاتب، بل لأنها الرواية الوحيدة له التي حظيت بترجمة إلى اللغة العربية. فدريكو جانميير، كل ما أعرفه عنه أنه أستاذ للأدب الأرجنتيني في جامعة بوينس آيرس، عاصمة الأرجنتين. له عدة مؤلفات أدبية، معظمها قصص قصيرة وروايات، وقد اشتهر في بداية الألفية.
على كلٍّ، لربما كان هذا الكاتب معروفًا لدى الشعب الأرجنتيني أكثر مما هو عليه الحال مع الشعوب العربية، وذلك لندرة ترجمة أعماله إلى العربية. عدا هذه الرواية غير المشهورة في أوساط الوطن العربي، والتي عثرتُ عليها بالصدفة البحتة. ولا شك أنه لولاها لما سمعت باسم جانميير ما حييت.
كما هو معروف عن الشعوب اللاتينية حبها لكرة القدم، لا سيّما الأرجنتين التي تُوِّجت ببطولة كأس العالم لكرة القدم ثلاث مرات. فكذلك يُعد الأدب اللاتيني من أقدم وأعرق أنواع الأدب، وقد قدّم الأدباء اللاتينيون أعمالًا خالدة غيّرت مسار الأدب العالمي وأساليب الكتابة بالمجمل.
وهكذا هي الأرجنتين، كما هي بلد لمشاهير كرة القدم كميسي، فهي أيضًا بلد لكبار الأدباء اللاتينيين كبورخيس وإرنستو ساباتو وألبرتو مانويل، الذي اختص جانميير بتدريس مؤلفاته وأعماله، مما يوضح مدى تأثره بأسلوبه الأدبي المميز. بالنسبة لي، كان الأدب الأرجنتيني محصورًا في أعمال بورخيس، لا سيّما مديح الظل التي كانت أحد أسباب رغبتي في تعلم اللغة الإسبانية، ليتسنى لي قراءة هذه الرواية كما كتبها بورخيس تمامًا، بلغتها الأم. وكذلك كتاب الألف، الذي يتناول تاريخ الحضارة البابلية بشكل ملفت، لا سيّما لنا نحن من تنحدر أصولنا من هذه الحضارات القديمة. إلا أن تجربتي بقراءة عمل لكاتب أرجنتيني آخر غير بورخيس، أستطيع أن أصفها ببداية اهتمامي بالأدب الأرجنتيني بشكل عام، لا ببورخيس وساباتو وحدهما.
أخف من الهواء رواية خيالية عاطفية مشوقة إلى حد تتقافز فيه دقات قلب القارئ مع كل سطر من الحكاية. علّ الحبكة بسيطة ومألوفة، وتخلو من الإثارة في بادئ الأمر، إذ تحكي قصة عجوز في عقدها الأخير، تجمعها الظروف بمراهق طائش من الأحياء الفقيرة المعروفة بالعشوائيات. يقتحم الفتى منزل العجوز بدافع السرقة مستغلًا وحدتها وكبر سنها، لتنقلب الأمور، ويجد نفسه في مأزق كبير. في لحظة عبثية مباغتة، تصير العجوز هي المسيطرة، ويصير الفتى أسيرًا لديها. ومن هنا تنطلق المغامرة، حيث تجد العجوز أخيرًا شخصًا تحادثه، وإن كان لصًا جاء لسرقتها. تجبر العجوز الفتى على الاستماع لحكايتها، واعدةً إياه بالحرية حال انتهاء الحكاية. فيستسلم الفتى، فلا حلّ آخر غير الاستماع، إلا أن هذه الحكاية يبدو أن لا نهاية لها. تأخذنا السيدة العجوز بين طيّات حكايتها لعوالم بعيدة من الزمن الماضي، فينتقل القارئ بين صفحات الرواية لوقائع من فترات زمنية مختلفة، من تاريخ بلاد يجهلها.
رواية، تمامًا كما هو عنوانها، خفيفة، أخف من الهواء على نفس قارئها، فما إن يبدأ بها لا يتمكن من تركها حتى الصفحة الأخيرة. تطير بك بخفة بين سطورها، التي تعالج قضايا مجتمعية تكاد تجدها في كل زمان ومكان، كأزمة آخر العمر، والوحدة، والشيخوخة، والفقر، والجهل، وقضايا المرأة، التي يكرس لها جانميير دور البطولة في روايته. ولعل أبرز مشكلة تناقشها هذه الرواية هي قضية البحث عن الذات، فشخصيات الرواية جميعها تائهة، حائرة، ضائعة، حالمة، تبحث عن شيء ما، ولا تجده، أو لا تدري عمّا تبحث من الأساس.
تتصاعد أحداث الرواية، فيصير كل من السيدة العجوز والفتى مرتبطين بمصير واحد، يؤول إلى نهاية مأساوية.
صنّفتُ هذه الرواية ضمن أدب المرأة، وذلك لتركيز كاتبها على إبراز المفاهيم الأنثوية، كمسألة الأمومة، والحمل، والعذرية، والشرف، الذي لطالما ارتبط بالمرأة وحدها في المجتمعات المعاصرة والقديمة، الشرقية والغربية على حد سواء. وفي جملة الختام، يصف جانميير "رغبة المرأة بأنها أخف من الهواء"، والتي تعني، كما هو تفسيرها في اللغة الإسبانية، أن المرأة إذا ما رغبت في عمل أمرٍ ما، فعلته مهما كلّفها الأمر، فتصير خفيفة في رغباتها وطموحاتها كالهواء، بل أخف، تحلّق عاليًا، مهما أثقلها المجتمع بالأعباء والمسؤوليات.
رغم ذلك، فأنا أرى أنه من غير الصواب إدراج رواية كهذه تحت تصنيف "أدب المرأة"، فهي لا تخص النساء فقط، بل تطرح قضايا إنسانية عامة أكثر من كونها خاصة بالمرأة، فهي من الروايات القليلة التي تمسّ روح كل قارئ لها، رجلًا كان أو امرأة.
اضافةتعليق
التعليقات