• الرئيسية
  • كل المواضيع
  • الاتصال بنا
facebook twitter instagram telegram
بشرى حياة
☰
  • اسلاميات
  • حقوق
  • علاقات زوجية
  • تطوير
  • ثقافة
  • اعلام
  • منوعات
  • صحة وعلوم
  • تربية
  • خواطر

الفِراق المكاني: حين تُجبر الروح على الرحيل

نور كريم / الأربعاء 30 تموز 2025 / تطوير / 567
شارك الموضوع :

في كل بيت من بيوت المدينة، بعد عودة قافلة السبايا، هناك مأساة صامتة، لا حاجة للحديث، فالأبواب تُفتح على بكاء

حين يُنزعُ الإنسان من المكان الذي غَرس فيه نبضه، وصارت دموعه لغة يومية، والأنين طقسًا من طقوس العشق ، فالأرض التي تضم أحبابنا لا تكون مجرّد تراب، بل تتحوّل إلى جزء من الروح، لا يُنتزع دون ألم ، وما أن ينتهي وقت اللقاء ونُجبر على مغادرة الأرض التي شهدت آخر نظراتهم، آخر كلماتهم، حيث خُطّت المأساة على الرمال، واختلطت الدموع بالدماء، والوداع بالصلاة ، فلا تزال آثار الخطى محفورة، وصدى الصيحات باقٍ، وأرواح الشهداء تحوم كأنها لم تغادر، يقال لك: "عليكِ أن ترحلي".

ذلك ما واجهته نسوة الإمام الحسين ـ عليه السلام ـ ، حين جاء الأمر بالعودة إلى المدينة ،  التي خرجنَ منها برفقة الأحبة، وعُدن إليها مُثقلات بالفقد، مُحمّلات بالحكايات، بلا ملامح الفرح، ذلك الرحيل لم يكن انتقالًا بين مكانين، بل "فِراقًا مكانيًا" ممزوجًا بوجعٍ يتجاوز حدود الجغرافيا، إلى حيث يسكن القلب والوجدان والذاكرة، فليست كل أنواع الفِراق سواء. فهناك فِراق لا تودّع فيه الأحباب بأيدٍ مرتجفة، بل تتركهم وهم مستقرون في ترابهم، تحرسهم السماء، وتُظلهم الدعوات والدموع ، حين تُنتزع الروح من مكان ألفته، من رائحة مَن تحب، و خطواتهم، و آثارهم، لتُجبر على العودة فيما القلب مُعلّق في أرض الفقد.

لقد عبرت نسوة الطف مرحلة لم تعبرها أي امرأة في التاريخ ، وعشنَ الوجع فرديًا وجماعيًا، و واجهنه بصبر الصالحات، لكنّهن يحملن في صدورهن نارًا لا تنطفئ. نارًا من الحنين، من الأسى، من سؤالٍ لا إجابة له: كيف يمكن أن نترك من نحب في أرض الغربة، ونعود؟

في كل بيت من بيوت المدينة، بعد عودة قافلة السبايا، هناك مأساة صامتة، لا حاجة للحديث، فالأبواب تُفتح على بكاء، والعيون تغلق على خيال الراحلين، لم تكن المدينة ذاتها، ولم تكن النساء ذاتهنَ لقد تغيّر كل شيء.

والفِراق المكاني هنا ليس مجرّد فراق للأرض، بل فراق الذات القديمة. فمَن تعود من كربلاء، لا تعود منها كما خرجت. كلّ واحدة من تلك النسوة كانت تحمل في داخلها "كربلاءها" الخاصة، كربلاء الأم، والأخت، والزوجة، والطفلة، والسيدة النبيلة التي أصبحت حاملة رسالة الشهادة.

إنه فِراق متعدد الطبقات، فقدٌ جسدي، واغترابٌ روحي، ومحنة جماعية تُشكل ما نُسميه بـ"الوعي الجمعي النسوي" الذي لا يُكتب في الكتب، بل يُحفظ في دموع الأمهات ووصايا الجدات، ويتوارثه النساء في طيات العزاء والزيارة، وفي الحنين المتجدد كل محرم ، ولعل أعظم تجليات هذا الفِراق هو ما أظهرته السيدة زينب ـ عليها السلام ـ من ثبات رغم الانكسار، ومن قوة رغم الحزن. كانت تجسّد صورة المرأة التي لا تستسلم، والتي تنقل المأساة إلى رسالة، والحزن إلى هدف، والفِراق إلى عهد لا ينكسر.

وما أشبه ذلك الفِراق المكاني بما تعيشه الكثير من النساء في زمننا هذا، نساء يُجبرن على مغادرة أوطانهن، قبور آبائهن، ذكرياتهن، رغماً عنهن. فيحملن ذاكرتهن معهن، ويمضين في الحياة بخطى لا تخلو من الأسى.

إن هذا النوع من الفِراق يعكس وواقعنا، وما نحمله في داخلنا من صراعات بين التعلّق بالمكان، وضرورة الانفصال عنه. فعلينا أن نتذكّر أن القوة لا تعني غياب الحزن، بل الحزن المجبول بالإيمان، والممزوج بالعطاء ، وعلى هذا يبقى الفِراق المكاني من أكثر التجارب وجعًا، لأنه لا يترك لك خيارًا. يُرغمك على الرحيل، بينما قلبك متشبث بما كان. وقد علمتنا نساء الطف، أن هذا الفِراق قد يكون بداية رسالة، لا نهاية قصة.

الانسان
الوطن
السيدة زينب
اهل البيت
الحزن
الروح
شارك الموضوع :

اضافةتعليق

    تمت الاضافة بنجاح

    التعليقات

    آخر الاضافات

    عادة يومية توصلك للحياة الطيبة

    التفكير وعلاقته بحالتنا النفسية

    دراسة جديدة: بخاخ أنف شائع قد يساعد على الوقاية من "كوفيد-19"

    الإمام الصادق.. بين المحنة وصناعة المستقبل

    المرايا المشوّهة: كيف نصنع انعكاساً أوضح لأنفسنا؟

    ظواهر علم الإمام الصادق

    آخر القراءات

    تعرفي على خربشات طفلك

    النشر : الأثنين 25 كانون الأول 2017
    اخر قراءة : منذ 9 دقائق

    أمير المؤمنين ونواة الطمأنينة الإجتماعية

    النشر : الأثنين 24 حزيران 2024
    اخر قراءة : منذ 9 دقائق

    هجوم الدار.. من فضاضة أهل المدار

    النشر : الأربعاء 13 تشرين الاول 2021
    اخر قراءة : منذ 10 دقائق

    شخصيات تسمم حياتك: الغدارون

    النشر : الثلاثاء 08 تشرين الثاني 2022
    اخر قراءة : منذ 10 دقائق

    نسج دمعة واعليا

    النشر : الأثنين 18 آيار 2020
    اخر قراءة : منذ 10 دقائق

    غياب الأب ومدى تأثيره في بناء نفسية الطفل

    النشر : الأحد 19 شباط 2017
    اخر قراءة : منذ 10 دقائق

    الأكثر قراءة

    • اسبوع
    • شهر

    من درر شيخ الأئمة: "أن تنجو بنفسك… هو أرقى رد"

    • 529 مشاهدات

    مولد النور: في ذكرى البعثة المحمدية التي أنارت للبشرية الدرب

    • 474 مشاهدات

    الولادة النبوية.. رسالة كونية غيبية

    • 409 مشاهدات

    دليل المرأة المسلمة في العشرة الزوجية المباركة

    • 356 مشاهدات

    الإمام الصادق: رؤيته لقضايا المجمتع ومعالجة مظاهر الإنحراف

    • 356 مشاهدات

    الرأسمعرفية: المفهوم والدلالات

    • 334 مشاهدات

    بحر الزائرين: ذكرى استشهاد الإمام العسكري تعيد رسم خريطة الولاء في سامراء

    • 1190 مشاهدات

    الشورى: وعي ومسؤولية لبناء مجتمع متكامل.. ورشة لجمعية المودة والازدهار

    • 1155 مشاهدات

    الإمام الحسن العسكري: التمهيد الهادئ لعصر الغيبة

    • 1080 مشاهدات

    العباءة الزينبية: رمز الهوية والعفاف في كربلاء

    • 1077 مشاهدات

    اللغة الإنجليزية عقدة الجيل: لماذا نفشل في تعلمها رغم كثرة الفرص؟

    • 1060 مشاهدات

    أربعينية الحسين: ملحمة الوفاء وتجسيدها الحي في عطاء المتطوعين

    • 889 مشاهدات

    facebook

    Tweets
    صحيفة الكترونية اجتماعية ثقافية بادارة جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية

    الأبواب

    • اسلاميات
    • حقوق
    • علاقات زوجية
    • تطوير
    • ثقافة
    • اعلام
    • منوعات
    • صحة وعلوم
    • تربية
    • خواطر

    اهم المواضيع

    عادة يومية توصلك للحياة الطيبة
    • منذ 14 ساعة
    التفكير وعلاقته بحالتنا النفسية
    • منذ 14 ساعة
    دراسة جديدة: بخاخ أنف شائع قد يساعد على الوقاية من "كوفيد-19"
    • منذ 14 ساعة
    الإمام الصادق.. بين المحنة وصناعة المستقبل
    • الأحد 14 ايلول 2025

    0

    المشاهدات

    0

    المواضيع

    اخر الاضافات
    راسلونا
    Copyrights © 1999 All Rights Reserved by annabaa @ 2025
    2025 @ بشرى حياة