• الرئيسية
  • كل المواضيع
  • الاتصال بنا
facebook twitter instagram telegram
بشرى حياة
☰
  • اسلاميات
  • حقوق
  • علاقات زوجية
  • تطوير
  • ثقافة
  • اعلام
  • منوعات
  • صحة وعلوم
  • تربية
  • خواطر

الفِراق المكاني: حين تُجبر الروح على الرحيل

نور كريم / الأربعاء 30 تموز 2025 / تطوير / 270
شارك الموضوع :

في كل بيت من بيوت المدينة، بعد عودة قافلة السبايا، هناك مأساة صامتة، لا حاجة للحديث، فالأبواب تُفتح على بكاء

حين يُنزعُ الإنسان من المكان الذي غَرس فيه نبضه، وصارت دموعه لغة يومية، والأنين طقسًا من طقوس العشق ، فالأرض التي تضم أحبابنا لا تكون مجرّد تراب، بل تتحوّل إلى جزء من الروح، لا يُنتزع دون ألم ، وما أن ينتهي وقت اللقاء ونُجبر على مغادرة الأرض التي شهدت آخر نظراتهم، آخر كلماتهم، حيث خُطّت المأساة على الرمال، واختلطت الدموع بالدماء، والوداع بالصلاة ، فلا تزال آثار الخطى محفورة، وصدى الصيحات باقٍ، وأرواح الشهداء تحوم كأنها لم تغادر، يقال لك: "عليكِ أن ترحلي".

ذلك ما واجهته نسوة الإمام الحسين ـ عليه السلام ـ ، حين جاء الأمر بالعودة إلى المدينة ،  التي خرجنَ منها برفقة الأحبة، وعُدن إليها مُثقلات بالفقد، مُحمّلات بالحكايات، بلا ملامح الفرح، ذلك الرحيل لم يكن انتقالًا بين مكانين، بل "فِراقًا مكانيًا" ممزوجًا بوجعٍ يتجاوز حدود الجغرافيا، إلى حيث يسكن القلب والوجدان والذاكرة، فليست كل أنواع الفِراق سواء. فهناك فِراق لا تودّع فيه الأحباب بأيدٍ مرتجفة، بل تتركهم وهم مستقرون في ترابهم، تحرسهم السماء، وتُظلهم الدعوات والدموع ، حين تُنتزع الروح من مكان ألفته، من رائحة مَن تحب، و خطواتهم، و آثارهم، لتُجبر على العودة فيما القلب مُعلّق في أرض الفقد.

لقد عبرت نسوة الطف مرحلة لم تعبرها أي امرأة في التاريخ ، وعشنَ الوجع فرديًا وجماعيًا، و واجهنه بصبر الصالحات، لكنّهن يحملن في صدورهن نارًا لا تنطفئ. نارًا من الحنين، من الأسى، من سؤالٍ لا إجابة له: كيف يمكن أن نترك من نحب في أرض الغربة، ونعود؟

في كل بيت من بيوت المدينة، بعد عودة قافلة السبايا، هناك مأساة صامتة، لا حاجة للحديث، فالأبواب تُفتح على بكاء، والعيون تغلق على خيال الراحلين، لم تكن المدينة ذاتها، ولم تكن النساء ذاتهنَ لقد تغيّر كل شيء.

والفِراق المكاني هنا ليس مجرّد فراق للأرض، بل فراق الذات القديمة. فمَن تعود من كربلاء، لا تعود منها كما خرجت. كلّ واحدة من تلك النسوة كانت تحمل في داخلها "كربلاءها" الخاصة، كربلاء الأم، والأخت، والزوجة، والطفلة، والسيدة النبيلة التي أصبحت حاملة رسالة الشهادة.

إنه فِراق متعدد الطبقات، فقدٌ جسدي، واغترابٌ روحي، ومحنة جماعية تُشكل ما نُسميه بـ"الوعي الجمعي النسوي" الذي لا يُكتب في الكتب، بل يُحفظ في دموع الأمهات ووصايا الجدات، ويتوارثه النساء في طيات العزاء والزيارة، وفي الحنين المتجدد كل محرم ، ولعل أعظم تجليات هذا الفِراق هو ما أظهرته السيدة زينب ـ عليها السلام ـ من ثبات رغم الانكسار، ومن قوة رغم الحزن. كانت تجسّد صورة المرأة التي لا تستسلم، والتي تنقل المأساة إلى رسالة، والحزن إلى هدف، والفِراق إلى عهد لا ينكسر.

وما أشبه ذلك الفِراق المكاني بما تعيشه الكثير من النساء في زمننا هذا، نساء يُجبرن على مغادرة أوطانهن، قبور آبائهن، ذكرياتهن، رغماً عنهن. فيحملن ذاكرتهن معهن، ويمضين في الحياة بخطى لا تخلو من الأسى.

إن هذا النوع من الفِراق يعكس وواقعنا، وما نحمله في داخلنا من صراعات بين التعلّق بالمكان، وضرورة الانفصال عنه. فعلينا أن نتذكّر أن القوة لا تعني غياب الحزن، بل الحزن المجبول بالإيمان، والممزوج بالعطاء ، وعلى هذا يبقى الفِراق المكاني من أكثر التجارب وجعًا، لأنه لا يترك لك خيارًا. يُرغمك على الرحيل، بينما قلبك متشبث بما كان. وقد علمتنا نساء الطف، أن هذا الفِراق قد يكون بداية رسالة، لا نهاية قصة.

الانسان
الوطن
السيدة زينب
اهل البيت
الحزن
الروح
شارك الموضوع :

اضافةتعليق

    تمت الاضافة بنجاح

    التعليقات

    آخر الاضافات

    أقحوانة الخربة: طفلة زلزلت عرش الطغيان

    السيدة رقية: فراشة كربلاء وصرخة المظلومية الخالدة

    وعي العباءة الزينبية ٣

    التدهور المعرفي ليس حتميًا مع التقدم في السن.. وفق دراسة جديدة

    زينب العقيلة: سيّدة الصبر والعقل الواعي

    مجالس الرشد العاشورائية

    آخر القراءات

    زينب العقيلة: سيّدة الصبر والعقل الواعي

    النشر : الأربعاء 30 تموز 2025
    اخر قراءة : منذ 4 ثواني

    الفطور الصباحي أهم وجبة في اليوم.. لهذه الأسباب

    النشر : الأثنين 28 كانون الأول 2020
    اخر قراءة : منذ 8 ثواني

    كورونا تزعزع الطقوس الرمضانية عن عروش محبيها

    النشر : الثلاثاء 05 آيار 2020
    اخر قراءة : منذ 11 ثانية

    بين الناقة والجمل.. كيف يختلط علينا الفرق بينهما؟

    النشر : الثلاثاء 05 تشرين الثاني 2019
    اخر قراءة : منذ 15 ثانية

    طرق عملية تساعدك على الاسترخاء

    النشر : الثلاثاء 22 كانون الأول 2020
    اخر قراءة : منذ 23 ثانية

    كيف خففت الصين أعباء الواجبات المدرسية على الأطفال؟

    النشر : الأربعاء 17 تشرين الثاني 2021
    اخر قراءة : منذ 25 ثانية

    الأكثر قراءة

    • اسبوع
    • شهر

    التواصل المقطوع

    • 718 مشاهدات

    الإمام السجاد: نور العبادة وشهيد الصبر

    • 602 مشاهدات

    السيدة زينب ونهضة المسير

    • 416 مشاهدات

    من يتصدر نتائج الذكاء الاصطناعي؟ AIO يعيد رسم قواعد اللعبة

    • 355 مشاهدات

    لماذا يجب أن نحمي آباءنا من مواقع التواصل الاجتماعي؟

    • 341 مشاهدات

    ‏كنز المعارف

    • 340 مشاهدات

    مأساة مسلم بن عقيل: الغريب الوحيد في كربلاء ودروسٌ للشباب

    • 1335 مشاهدات

    في ذكرى هدم القبة الشريفة: جريمة اغتيال التاريخ وإيذانٌ بمسؤولية الشباب

    • 1061 مشاهدات

    كل محاولاتك إيجابية

    • 1038 مشاهدات

    كربلاء في شهر الحسين: رحلة في عمق الإيمان وصدى الفاجعة

    • 957 مشاهدات

    زينب الكبرى: لم تكن عاديةً قبل الطف.. والطف لم يُصنعها بل كشف عظمتها

    • 838 مشاهدات

    التواصل المقطوع

    • 718 مشاهدات

    facebook

    Tweets
    صحيفة الكترونية اجتماعية ثقافية بادارة جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية

    الأبواب

    • اسلاميات
    • حقوق
    • علاقات زوجية
    • تطوير
    • ثقافة
    • اعلام
    • منوعات
    • صحة وعلوم
    • تربية
    • خواطر

    اهم المواضيع

    أقحوانة الخربة: طفلة زلزلت عرش الطغيان
    • منذ 2 ساعة
    السيدة رقية: فراشة كربلاء وصرخة المظلومية الخالدة
    • منذ 2 ساعة
    وعي العباءة الزينبية ٣
    • منذ 2 ساعة
    التدهور المعرفي ليس حتميًا مع التقدم في السن.. وفق دراسة جديدة
    • منذ 2 ساعة

    0

    المشاهدات

    0

    المواضيع

    اخر الاضافات
    راسلونا
    Copyrights © 1999 All Rights Reserved by annabaa @ 2025
    2025 @ بشرى حياة