الغنى لا يعني الثروة فقط، بل يشمل معظم أفراد الطبقة المتوسطة أيضاً، من أطباء ومهندسين ومحامين وأساتذة جامعات وغيرهم. فالغنى ضد الفقر، وهؤلاء لا يُعدّون فقراء عادةً.
وقيل: إن الغني في باب الزكاة، هو كل من يملك ما يفيض عن حاجته المتوسطة لمدة سنة، ولو بامتلاكه مصدر رزق يدر عليه دورياً: يومياً، أو أسبوعياً، أو شهرياً، أو نحو ذلك. فهذا هو ما يُقال إنه المصطلح الشرعي.
قال في شرائع الإسلام في كتاب الزكاة:
"الفقراء والمساكين هم الذين تقصر أموالهم عن مؤونة سنتهم، وقيل: من يقصر ماله عن أحد النصابَين الزكويَّين."
وفي صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام):
"الْفَقِيرُ الذِي لَا يَسْأَلُ النَّاس."
وقال بعضهم: إن الفقر مشتق من "فقار الظهر"، فكأن الحاجة قد كسرت ظهره.
وفي شرح مختصر النافع:
"الفقير على وزن فعيل بمعنى مفعول، كقتيل بمعنى مقتول، وكسير بمعنى مكسور. وهو مأخوذ من الفقار، فكأنه انكسر فقاره، وهو خرزة ظهره، لشدة حاجته."
وقال الجوهري:
"رجل فقير من المال."
أما "المسكين" فبُنِي من "السكون"، كأن العجز أسكنه.
وقال صاحب القاموس:
"الفقر، ويُضم: ضد الغنى. وقدره أن يكون له ما يكفي عياله. أو: الفقير من يجد القوت، والمسكين من لا شيء له. أو: الفقير المحتاج، والمسكين من أذله الفقر أو غيره من الأحوال. أو: الفقير من له بلغة، والمسكين من لا شيء له. أو هو أحسن حالاً من الفقير. أو هما سواء."
وقال في الجواهر:
"وأقربها إلى ما حققناه – من أن الفقير ضد الغني – هو المحتاج، قال الله تعالى: (أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ)، أي المحتاجون إليه.
فأما المسكين، فالذي قد أذله الفقر أو غيره، فإذا كانت مسكنته من جهة الفقر، حلت له الصدقة. وإذا كان مسكيناً قد أذله شيء سوى الفقر، فالصدقة لا تحل له؛ إذ كان شائعاً في اللغة أن يُقال: ضُرب فلان المسكين، وظُلِم المسكين، وهو ليس من أهل التنمية أو الثروة واليسار، وإنما لحقه اسم المسكين من جهة الذلة."
وأما المعنى اللغوي للغنى، فهو الكفاية. وقيل: سُمّيت الغانية "غانية" لأنها استغنت بجمالها عن التزين.
وقيل: استغنت بمنزل أبويها. وقيل: استغنت بزوجها.
وعلى أيٍّ، فإن مطلق غير الفقير، أو مطلق من له الكفاية، يُعد غنياً، بناءً على أن الفقر والغنى ضدان لا ثالث لهما.
معنى السماحة
وأما السماحة، فتعني الجود أو ما يستلزمه. ويُقال: "سمح لي" أي أعطاني. وقوم سُمَحاء: جمع سَميح، ومَسامِيح: كأنه جمع مسماح – قاله الجوهري.
ومن ذلك قول الشاعر:
"مسامِيحُ الفعالِ ذوو أناةٍ". وتأتي السماحة أيضاً بمعنى السلاسة والسهولة.
وفي مجمع البحرين: "سمح: في الحديث (ما بُعثتُ بالرهبانية الشاقة، ولكن بالحنيفية السَّمْحة)، أي السهلة التي لا ضيق فيها ولا حرج." والمُسَامَحَة: المساهلة، وتسامحوا: تساهلوا.
وفي خبر عن عطاء: "اسمح يُسْمَح لك"، أي سَهِّل يُسهَّل عليك.
وفي الحديث: "السماح رَباح"، أي المساهلة في الأشياء ربح لصاحبها.
وفي حديث آخر:
"السماحةُ البذلُ في العُسر واليُسر."
وفي آخر:
"السماحةُ إجابةُ السائل وبذلُ النائل."
ويُقال: "فلان سمح الكفين، نقي الطرفين."
أي كريم اليدين، طاهر المعاملة.
ومن الواضح أنه لو سمح الأغنياء بالفائض عن مقدار كفايتهم، لما بقيت حاجة معطّلة، ولما بقي فقير على وجه الأرض. بل يُحتمل أن الأغنياء إذا سمحوا بخمس ثرواتهم، لم يبقَ فقير على وجه الأرض.
ولعل الأرقام التالية تشكل شهادة على ذلك أو ما يقاربه. إذ يكفي أن نعلم مثلاً أن إجمالي ثروات العالم خلال عام 2021 بلغ 473 تريليون دولار، بحسب دراسة أجرتها بوسطن كونسلتنغ.
مما يعني أن متوسط ما يمكن أن يحصل عليه كل شخص من الثروات هو 59,012 دولاراً. أما خمسها، فيبلغ 110,825 دولاراً، وهو مبلغ يعادل إعطاء أسرة مكونة من خمسة فقراء شهرياً مبلغ 4,927 دولاراً لمدة سنة كاملة، أو إعطائها شهرياً 985.04 دولاراً لمدة خمس سنين. بل إن الثروات غير الشرعية تشكل أرقاماً مذهلة، فقد قالت أوكسفام (المنظمة غير الحكومية) في بيان:
"نُقدّر أن عشرة آلاف مليار دولار – أي عشرة تريليونات دولار – موجودة في الخارج، متفلتة من أي ضوابط، ويملكها أثرياء في إطار تسويات سرية."
وباتت الضبابية المالية في الولايات المتحدة أكثر بمرتين من تلك المسجلة في سويسرا، لأن واشنطن خصوصاً "لا تلتزم على الدوام بالمعايير والممارسات الدولية في مجال تبادل المعلومات مع الدول الأخرى."
اضافةتعليق
التعليقات