• الرئيسية
  • كل المواضيع
  • الاتصال بنا
facebook twitter instagram telegram
بشرى حياة
☰
  • اسلاميات
  • حقوق
  • علاقات زوجية
  • تطوير
  • ثقافة
  • اعلام
  • منوعات
  • صحة وعلوم
  • تربية
  • خواطر

يتيم مرة أخرى..

سارة اللامي / الأحد 30 كانون الأول 2018 / حقوق / 2278
شارك الموضوع :

انتصف الليل وغطّت المدينة في سبات عميق، وأطلّ القمر يحرس بيوت الفقراء من لصوص الظلام، سالت دمعة على وجنته، قطّعت أوتار الصبر، وسكَنَتْ في م

انتصف الليل وغطّت المدينة في سبات عميق، وأطلّ القمر يحرس بيوت الفقراء من لصوص الظلام، سالت دمعة على وجنته، قطّعت أوتار الصبر، وسكَنَتْ في منتصف وجههِ، كما يجلس الخال على خدّ الفتاة، أبت السقوط، فما زال شبحُ أملٍ يلوّح في سمائِهِ، غطّى القلق تفاصيل وجههِ، كان جالساً أمامَ بابِ بيتٍ طينيٍّ، زيّن الفقرُ كلّ شبرٍ فيهِ.

مسح الدمعة بكمِّ ردائهِ، ووقف يتلفّتُ يميناً ويساراً، يمدّ بصره الى آخر الزقاق، ينتظره.

عاد يبكي بصمت، فإنّها الليلة الثالثة التي لا يزورُهُ فيها، دارت في ذهنِهِ تساؤلات، زادت قلقَهُ!

هل هو مريض؟

هل غادر المدينة؟

هل أصابه مكروه؟

هل نسيني؟

غطّى وجهه بكلتا راحتيْهِ، طارداً تلك الأفكار المخيفة، التي أصبحت غمامة سوداء، تلف قلبه وتعصره.

نهض واقفاً، أخذ يجرّ قدمه بصعوبة، مجتازاً البيوت ليصل الى آخر الحارة، علّه يلمح طيفَهُ من بعيد، لكن بعد دقائق عادَ أدراجَهُ، تعلو الخيبة ملامحَهُ، فهو لن يأتيَ كالليلتيْن الماضيتيْن.

جلس أمام البيت واضعاً رأسَهُ بين ركبتيْهِ، متّكئاً على حائط متهرّئ، كان يمسك سقف البيت بمعجزة، تسلّلت إلى رأسِهِ ذكرى آخر ليلة، كان النسيم بارداً حلواً حين أقبل من بعيد، تداعبُ النسماتُ أطراف عباءته، على كتفِهِ جرابُهُ، متلثّماً بعمّتِهِ كعادتِهِ، ما إن رآهُ الصبيّ حتى تهلّلَ وجهُهُ فرِحاً، وصاح:

- ملاكي الملثّم! وهرَعَ إليه راكضاً، فأنزلَ الرجلُ الجرابَ على الأرضِ، ونزَلَ جالساً القرفصاءَ، فاتحاً ساعديْهِ، مستقبلاً إيّاهُ بأحضانِهِ، قفز الطفلُ وعانقه، مسح الرجُلُ على رأسِهِ، وقبّله ثمّ أجلسه بقربه، واضعاً رأسه على صدره، ويسأل عن أحوالِهِ وأحوالِ أهلِهِ.

ثمّ أخذ يلاطفُ الطفلَ ويداعبُهُ، ويضحكه ويعطيه من الحنان والرأفة والعطف ما كان فقدَهُ بعد رحيلِ أبيهِ في وقعة الحرّة الأليمة، وهو في المهد صغيراً، كان له كالأب يعظُهُ ويعلّمه بين طيّات كلامه اللطيف الذي كان ينساب رقراقاً على مسامع الطفل، ويسكن قلبه زارعاً فيه بذورَ الرحمة والأمل، وتارة يكون له نظيراً يلاعبه، وأخرى حضناً دافئاً يحنو عليه إذا مسّه بردُ أو ألم.

حتى تعوّد الطفلُ على مجيئه كلّ ليلة، ليضيء له نهار اليوم التالي بالحبّ والبهجة..

مسحَ الطفلُ دموعه الحارقة، وراح يتذكّر وصايا الملاك له، بأن يكون بارّاً بأمّه، والدعاء لأبيه بالرحمة والمغفرة، وعلّمه بعضاً من الدعاء ''اللَّهُمَّ اشْكُرْ لَهُمَا تَرْبِيَتِي، وَأَثِبْهُمَا عَلَى تَكْرِمَتِي،

وَاحْفَظْ لَهُمَا مَا حَفِظَاهُ مِنِّي فِي صِغَرِي.. اللَّهُمَّ لَا تُنْسِنِي ذِكْرَهُمَا فِي أَدْبَارِ صَلَوَاتِي، وَفِي كُلِّ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ نَهَارِي..''.

ظلّ صدى هذه الكلمات يتردّد في أذنه حتى انتشله النوم من ألم الفقْد إلى سكينة الوهم..

في صباحِ يومٍ غطّت الغيوم فيه شمسَ السماء وغيّرت حالها، رياح مزعجة عصَفَتْ بالمدينة، قلبت أحوالها، وعلى إثْر ذلك جلَسَتْ مذعورةً تتفقّد مكان اضطجاعِهِ، فلم تجده، ذعرت والدتُه، وهرولت تفتح الباب لتجده يغطّ في نومٍ عميقٍ، متوسّداً الحائط، وملتحفاً ذرّات التراب الصغيرة..

أقبلت عليه لتوقظه، هزّت كتفه بلطفٍ وهي تقول:

- ولدي حبيبي.. حتى استيقظ فزعاً مذعوراً، صاح: هل جاء؟! عانقته الأمّ بلطفٍ، وابتلعت غصّة كادت أن تبكيها وتؤذيه، ربتت على ظهره قائلة:

- سيأتي لا تخف!.. كان جالساً في زاوية المنزل مكفهّر الوجه، تعلو فوقه غمامة الألم والوهن، لا يحرّك ساكناً منذ الصباح، كأنّ الزمن بقي حبيس اللحظة الأخيرة، التي جمعته بملاكِهِ ثمّ توقف يأبى المضيُّ قبل قدومه من جديد.

هناك في سوق المدينة الشعبيّ حيث الأزقّة يملؤها الفقراء الذين كانوا يعرفون بعضهم بسيمائهم، أقنعت طفلها بعد الكثير من الترجّي، كي يخرج معها للسوق، علّها تخفّف عنه وتنسيه ألمه، وتعوّض عجزها عن مساعدته..

ضجيج الناس كان عالياً، أصحاب المحالّ قد غلّقوها، وأخذوا يسيرون متّجهين للجانب الآخر من المدينة، كانت تقف مندهشة ممّا يحصل، هل هو يوم الحساب والنشور؟ تقدّمت تسأل إحداهنّ:

- لكن ماذا حدث؟ أجابتها السيدة:

- إنّ الإمام علي بن الحسين السجاد انتقل اليوم الى ذمّة ربّه، وهم عادوا من تشييعه توّاً. وقع الخبر على مسامعها بقوة تاركاً خلفه جراحات تدمي القلب لمصائب أهل بيت النبي.. مشت معه والهمّ ثالثهما وهي تسمع أحاديث الناس، قيل أن السم فتك به؟ لكن من سمّه؟ هل هو حفيد الرسول؟ يقال أنه كان شاهداً على وقعة الطفّ، لقد سمعت أن الوليد بن عبد الملك من سمّه، بصوت خافت.. حتى سمعت مالم تتمنى سماعه ابداً "قيل انه كثير الصدقة في الليل حيث كان يغطي وجهه خوفاً من الرياء، لكن هل صاحب الجراب كان علي بن الحسين؟ أجل هو حتى أنهم وجدوا آثار الجراب محفورة على كتفه عند تغسيله" كانت تلك الكلمات الأخيرة ذات وقع مختلف فكأنها تجرعت ذات السم الذي فتك به عليه السلام هوت ببصرها رأته شابح البصر وجهه يخلو من أي تعبير للحياة عدا دمعة معلقة بأهدابه تحاول أن تحييه بعد موت شعوره.. بني، قالت له، لم يرد عليها، جلست قبالته وهزت كتفه وهي تناديه ولدي، نظر إليها نظرة يتيمة منكسرة لا ينعكس الضوء خلالها بل تمتصه عينه. يعيش اليتم مرة أخرى بل هذا أشد وأكبر.. تمتم بصوت متقطع، ملاك ملاكي الملثم رحل!.

أفلت يدها وأخذ يركض أمامها دون أن تثنيه صرخاتها خلفه وجريها علها تلحق به حتى قادته قدماه الصغيرتان هناك عند البقيع حيث مدفن آل بيت النبي. وصل عند القبر الجديد وهوى بجسده عليه يعفر خده بتراب القبر حته اختلط الدمع والتراب على وجنته وهو يخاطبه بنبرة يتيم كسره الفقد:

- من لي بعدك ابتي.

الطفل
الفقر
اليتيم
الامام السجاد
قصة
شارك الموضوع :

اضافةتعليق

    تمت الاضافة بنجاح

    التعليقات

    آخر الاضافات

    بين الغدير وعاشوراء.. نُدبة

    خطورة خبراء الحكومات المستبدة

    ليست للياقة وحدها.. الرياضة قد تفتح لك أبواب النوم العميق

    بوصلة النور

    هذا هو الغدير الحقيقي

    أسعار القهوة تصل إلى مستويات قياسية .. ما السبب؟

    آخر القراءات

    عرس وشهادة

    النشر : الثلاثاء 08 ايلول 2020
    اخر قراءة : منذ ثانية

    دواء يعالج سرطانا شائعا لدى النساء والاتحاد الاوروبي يجيزه

    النشر : السبت 16 كانون الأول 2023
    اخر قراءة : منذ 6 ثواني

    ماهي أفضل الأطعمة التي تعزز نضارة البشرة؟

    النشر : الأحد 01 تشرين الاول 2023
    اخر قراءة : منذ 7 ثواني

    فوائد البطاطا الحلوة لصحة العظام والبشرة

    النشر : الخميس 05 آذار 2020
    اخر قراءة : منذ 9 ثواني

    بالانفوغرافيك: حصاد جمعية المودة والازدهار خلال 2024

    النشر : الخميس 16 كانون الثاني 2025
    اخر قراءة : منذ 11 ثانية

    هل الاشجار تبكي؟ ... شجرة تبكي دماً على مصاب أبي عبد الله(ع)

    النشر : الأربعاء 10 حزيران 2015
    اخر قراءة : منذ 12 ثانية

    الأكثر قراءة

    • اسبوع
    • شهر

    وميض من التاريخ: تتويج إلهي بالولاية

    • 1069 مشاهدات

    الخلود في زمن التفاهة: كيف ينتصر علم الإمام علي على مادية العصر

    • 1021 مشاهدات

    جمعية المودة والازدهار تُنظم ملتقى "خادمات المنبر الحسيني" الثالث

    • 370 مشاهدات

    الغدير.. وعد السماء للمؤمنين

    • 363 مشاهدات

    عارضٌ ينقَدح، وعقولٌ تَميل.. وصيةٌ عابرةٌ للأزمان

    • 336 مشاهدات

    هذا هو الغدير الحقيقي

    • 335 مشاهدات

    هاجر حسين كقارئة: طموحات مستقبلية ورسالة ملهمة

    • 3455 مشاهدات

    القليل خير من الحرمان

    • 1086 مشاهدات

    وميض من التاريخ: تتويج إلهي بالولاية

    • 1069 مشاهدات

    الخلود في زمن التفاهة: كيف ينتصر علم الإمام علي على مادية العصر

    • 1021 مشاهدات

    الترند الجديد "لابوبو".. صدفة أم واحدة من أنجح حملات التسويق في 2025؟

    • 1012 مشاهدات

    شهيد العلم والمظلومية.. دروسٌ من سيرة الإمام الجواد للشباب المسلم

    • 996 مشاهدات

    facebook

    Tweets
    صحيفة الكترونية اجتماعية ثقافية بادارة جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية

    الأبواب

    • اسلاميات
    • حقوق
    • علاقات زوجية
    • تطوير
    • ثقافة
    • اعلام
    • منوعات
    • صحة وعلوم
    • تربية
    • خواطر

    اهم المواضيع

    بين الغدير وعاشوراء.. نُدبة
    • منذ 8 ساعة
    خطورة خبراء الحكومات المستبدة
    • منذ 8 ساعة
    ليست للياقة وحدها.. الرياضة قد تفتح لك أبواب النوم العميق
    • منذ 8 ساعة
    بوصلة النور
    • الثلاثاء 17 حزيران 2025

    0

    المشاهدات

    0

    المواضيع

    اخر الاضافات
    راسلونا
    Copyrights © 1999 All Rights Reserved by annabaa @ 2025
    2025 @ بشرى حياة