تمرّ تربية الأبناء بمحطاتٍ مختلفة، ولكل مرحلةٍ تحدياتها وتجاربها الخاصة. فبينما يرى البعض أن سنوات الطفولة هي الأصعب بسبب احتياجات الطفل المستمرة، يعتقد آخرون أن مرحلة المراهقة أكثر تعقيدًا لما تحمله من تغيّرات نفسية وسلوكية. ويهدف هذا الاستطلاع، الذي قام به موقع (بشرى حياة)، إلى معرفة آراء بعض الأمهات حول المرحلة الأكثر صعوبة في تربية الأبناء: الطفولة أم المراهقة؟
أجابت التربوية جمانة الحسيني قائلة:
في كلتا المرحلتين نحتاج إلى الدقة والتركيز، فهما مكملتان إحداهما للأخرى. فإذا تربّى الطفل تربية سليمة، كانت مرحلة المراهقة أخف وطأة، أما إذا تعرّض لعُقَد وضغوط نفسية في الصغر، فإنها ستنعكس عليه عند الكِبر. وبالتأكيد تُعدّ مرحلة المراهقة أصعب بكثير؛ فقد كنا نسمع عنها ونستغرب، أما اليوم فقد صرنا نفهمها ونعي أن هذه الفترة العمرية، ولا سيما من الأول المتوسط إلى السادس الإعدادي، تمتد لست سنوات تتطلب تركيزًا مكثفًا. صحيح أن الطفل في مرحلة الطفولة قد يولد لديه العقاب أو الحرمان أو القسوة ردود أفعال معينة، لكن في مرحلة المراهقة تكون الأبعاد مختلفة تمامًا.
أم شمس / خريجة قانون قالت:
بالنسبة لي، يكون الأولاد في مرحلة الطفولة كـ“العجينة” بين أيدينا، نشكّلهم كما نشاء ونختار لهم كل ما يحتاجون إليه من طعام وشراب وملبس. أما مرحلة المراهقة فهي الأصعب؛ لذلك اخترت ترك وظيفتي وخصصت كل وقتي لهم في هذه المرحلة، وأصبحت صديقة لأبنائي وبناتي داخل البيت، يتحدثون معي عمّا يمرّون به يوميًا ولا يخفون عني شيئًا، لثقتهم بردة فعلي. والحمد لله لم أعانِ من مسألة العناد لدى المراهقين، بل وجدتهم مطيعين.
وأضافت:
لم أعد أتدخل في اختياراتهم كما في السابق، ولا أستطيع إجبارهم مثلًا على السفر معي خارج البلاد لقضاء عطلة، إذ اعتادوا أجواء البيت والألفة والترابط والتواجد الدائم للعائلة، ويفضّلون الراحة في مكانهم على عناء السفر. ورغم هذا الاطمئنان، أبقى قلقة من وجودهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن هوية الأصدقاء الذين يرافقونهم أو يتعرّفون عليهم.
وختمت قائلة:
لا يفوتنا أن نحمد الله ونشكره على وجودنا في كربلاء المقدسة، فمجاورة الإمام الحسين (عليه السلام) نعمة كبرى، ونعيش في مجتمع محافظ لا يزال متمسكًا بالالتزام الديني. لذلك نقول: كان الله بعون الأهالي والأمهات اللواتي أُجبرن، بسبب ظروف معينة، على العيش في بلاد الغربة غير المسلمة، فمعاناتهنّ أكبر بكثير.
السيدة أم حسين / ربة بيت قالت:
كلتا المرحلتين تنطويان على صعوبة بالغة؛ فمرحلة الطفولة تستهلك كل وقتك وتُتعبك كثيرًا، إذ تبقين راكضة خلف الطفل خوفًا عليه من إيذاء نفسه أو غيره، وتُرهقكِ سنوات تعليمه الكلام وغرس القيم والمبادئ الصحيحة في ذهنه. ثم تأتي مرحلة المراهقة بصعوباتها المختلفة؛ يكبر الطفل وتتغير شخصيته، وهنا ترين ثمرة ما زرعته بداخله منذ الصغر، فتكون مراهقته أهون من أقرانه. ويبدأ دوركِ ليس كأم فقط، بل كمربية ومعلمة وصديقة، لتتمكني من كسبه وحمايته من أصدقاء السوء.
السيدة أم رضا / ربة بيت قالت:
لكل مرحلة عمرية صعوبتها الخاصة، لكن في ظل هذا الانفتاح والديمقراطية المفرطة، وفي بلد يفتقر إلى الأنظمة والعقوبات الرادعة، أصبحت فترة المراهقة صعبة جدًا على الأهالي. فنحن نعاني أولًا من طرق التدريس القديمة والمناهج الصعبة، مما أدى إلى نفور الأبناء من التعليم، بينما جعلت دول متقدمة، مثل فنلندا، التعليم وسيلة للمتعة، من خلال عدم تكليف الطلبة بواجبات بيتية، والاكتفاء بالتعلم خلال الدوام، ليعودوا إلى منازلهم للراحة والاسترخاء.
وأضافت:
من جانب آخر، يظهر رئيس الوزراء على مواقع التواصل الاجتماعي التي يتابعها الأبناء ويقول: لا أستطيع تعيين الجيل القادم، ما جعل ذلك أول دافع للهروب من التعليم. فكلما حاولنا إقناعهم بالدراسة، يقولون: ما الفائدة من الشهادة دون وظيفة؟ نذهب للعمل في الشارع أفضل! لقد أدى عدم تعيين الخريجين إلى ترسيخ فكرة اليأس في أذهانهم: لماذا أدرس وأتعب وتصبح شهادتي مجرد ذكرى معلّقة على الحائط؟!
وتابعت قائلة:
نرى أيضًا ضعف النظام المروري، حيث يُسمح بقيادة الدراجات النارية والسيارات الرياضية السريعة، ما زاد من تعلق المراهقين بها، ومع إصرارهم يرضخ الأهالي غالبًا، لغياب قوة قانونية رادعة تمنع هذا الأذى وإزهاق الأرواح. كما أسهم الانتشار المبالغ فيه للكافيهات وقاعات الألعاب، وتقديم أنواع الدخان للمراهقين، في تعقيد هذه المرحلة؛ فالمراهق لا يمتلك بعد الوعي الكافي ليمنع نفسه أمام هذه المغريات، وأصبحت حالات الوفاة الناتجة عمّا يتعاطونه في ازدياد، ما يجعلنا في قلق دائم على أبنائنا.
وختمت بالقول:
نحن نعيش في زمن فُهِمت فيه الديمقراطية بشكل معاكس؛ فجميع الدول تمتلك الديمقراطية، لكنها تقترن بنظام صارم، فمن أمن العقاب أساء الأدب.
لذلك يجب على الدولة وضع حلول حقيقية وتنظيم عمل المؤسسات، لتتكامل مع دور الأسرة في تنشئة جيلٍ واعٍ وسليم، ونقترب من تجارب الدول المتقدمة في التعليم والأنظمة والقوانين.





اضافةتعليق
التعليقات