في قاعة الاجتماعات الصاخبة، يعلو صوت المدير وهو يعدد أسماء الموظفين الذين حصلوا على مكافآت الشهر. تتجه الأنظار نحو الأسماء الكبيرة، والابتسامات تملأ القاعة. في الزاوية تجلس "سارة"، لم يُذكر اسمها، لكنها تعلم أن التقرير الذي حمل توقيع غيرها كان من صياغتها هي، وأن الأخطاء التي كان يمكن أن تكلّف الشركة آلاف الدولارات صحّحتها يدها في اللحظة الأخيرة. سارة لم تصفق لنفسها، ولم يصفق أحد لها، لكنها ابتسمت.. لأن النجاح الحقيقي لا يحتاج إلى ميكروفون.
هذا هو النجاح الصامت: نجاح لا يُعلن عن نفسه بلافتات، لكنه يكتب أثره في الأماكن التي لا يراها الجميع. هو بصمة المرأة التي لا تبحث عن الضوء، لكنها تصبح هي نفسها ضوءاً.
تخيلوا معي:
معلمة تدخل صفاً يومياً منذ عشرين عاماً، لم تُكتب عنها مقالة، ولم تُمنح وساماً، لكنها صنعت جيلاً كاملاً يكتب اليوم المقالات وينال الأوسمة.
طبيبة في قسم الطوارئ، لا يعرفها الإعلام، لكنها في ليلة واحدة أنقذت ثلاثة أرواح.
موظفة صغيرة في قسم أرشيف، تمنع أوراقاً من الضياع، في حين تبني صمتها جداراً من النظام تستند عليه مؤسسة كاملة.
هؤلاء لا يملكن صفحات "ترند"، لكن لولا وجودهن لانفرط العقد. أليس هذا هو النجاح بمعناه الأعمق؟
النجاح الصامت ليس ضعفاً في الطموح، بل فن إعادة تعريف النجاح. هو أن تختار المرأة أن يكون إنجازها للمعنى، لا للشهرة. أن ترى في بسمة طفلها عند عودتها من العمل وساماً، وفي كلمة "شكراً" من زميلها تقديراً، وفي إحساسها بالرضا الداخلي مكافأة أرقى من كل شهادات التقدير.
لكن لنكن واقعيين: المجتمع يحب الضوضاء. يقيس الإنجاز بعدد التصفيقات، بعدد الصور المنشورة، بعدد الألقاب. وهنا يظهر التحدي: كيف تصمد المرأة أمام إغراء الإعلان؟ كيف تقول لنفسها "أنا لست نسخة من أحد، ولن أقيس نفسي بمسطرة الآخرين"؟
النجاح الصامت يحتاج شجاعة من نوعٍ آخر:
شجاعة أن تعمل دون أن تنتظر الكاميرا.
شجاعة أن تقول: أنا لست أقل قيمة لأنني لم أُذكر في خطاب رسمي.
شجاعة أن تؤمن أن ما يُبنى في الظل أحياناً يدوم أكثر مما يُبنى في الضوء.
أجمل ما في النجاح الصامت أنه يربط المرأة بذاتها، لا بنظرة الآخرين. فالمرأة التي تُنجز بصمت، تُنقّي علاقتها مع ذاتها، وتتعلم أن الثناء الأعمق هو الذي تمنحه لنفسها حين تنام ليلاً مطمئنة.
ولكي أكون أكثر قرباً: تخيلي أنكِ تمشين في شارع مزدحم. هناك من يرفع لافتة كبيرة ويصرخ: "انظروا إليّ!". وهناك من يزرع شجرة صغيرة عند الرصيف ثم يمضي. بعد سنوات، أين سيقف الناس؟ عند اللافتة التي مزقتها الريح، أم تحت ظل الشجرة التي كبرت؟ هذا هو الفرق بين النجاح الصاخب والنجاح الصامت.
في النهاية، "النجاح الصامت" ليس وصفة جاهزة ولا نصيحة نظرية، بل هو أسلوب عيش. أن تعملي وكأنك تكتبين قصيدة، لا يقرؤها إلا القليل، لكنها حين تصل، تهزّ قلب من يقرأها. أن تكوني مثل المطر: لا يصفق له أحد وهو ينهمر، لكن كل شيء يزهر بعده.
فيا كل امرأة عاملة، لا تخافي إن لم يُذكر اسمكِ في نشرة، أو لم تُعلّق صورتكِ على جدار. المهم أن يُذكر أثرك في حياة إنسان، وأن تُعلّق بصمتك في ذاكرة من يحتاجك. لأن بعض أنقى النجاحات لا تُقاس بالتصفيق، بل بالطمأنينة.
اضافةتعليق
التعليقات