منذ قرون طويلة، كان الإنسان يعتقد أن الحلم حكرٌ على البشر فقط، وربما على بعض الثدييات. لكن في السنوات الأخيرة، بدأت الدراسات تكشف لنا عوالم مذهلة عن قدرات الكائنات البحرية، وعلى رأسها الأخطبوط، هذا المخلوق الغامض الذي لا يتوقف عن إدهاشنا. فهل يعقل أن للأخطبوط أحلامًا تشبه أحلامنا؟ وهل يمكن أن نعتبره كائنًا يعيش تجارب ليلية خفية تحت سطح البحر؟
الأخطبوط يتميز بذكاء استثنائي بين اللافقاريات، حيث يمتلك جهازًا عصبيًا معقدًا يضم ما يقارب 500 مليون خلية عصبية، أغلبها موزعة في أذرعه المرنة. هذه التركيبة العصبية تمنحه قدرات حل مشكلات، والتعلّم من التجربة، وحتى استخدام الأدوات. لكن ما أثار فضول العلماء مؤخرًا هو ملاحظة تغيّرات سلوكية وحركية تشير إلى أن الأخطبوط يمر بدورات نوم مشابهة لتلك التي يعيشها الإنسان.
في تجربة حديثة، لاحظ باحثون أن الأخطبوط عندما يخلد إلى “النوم”، يمر بمرحلتين أساسيتين: مرحلة هدوء يظهر فيها ساكنًا، ومرحلة أخرى تتميز بتغيّر سريع في لون الجلد وحركات عضلية مفاجئة. هذه التغيرات شبيهة بما يحدث عند البشر خلال مرحلة “النوم الحالم” أو ما يعرف بـ REM sleep. خلال هذه المرحلة، تتحرك عيوننا بسرعة بينما نحلم، وهو ما قد يحدث بشكل مشابه لدى الأخطبوط عندما تتبدل أنماط ألوان جلده بطريقة عشوائية وسريعة.
لكن السؤال المحير: ماذا يمكن أن يحلم به الأخطبوط؟
البعض من العلماء يعتقد أن أحلامه قد تكون إعادة تمثيل لما يمر به خلال يومه، مثل هروبه من مفترس، أو مطاردة فريسة، أو حتى استكشاف بيئة جديدة. آخرون يذهبون أبعد من ذلك، معتبرين أن هذه المخلوقات ربما تمتلك “تجارب إدراكية” أكثر تعقيدًا مما كنا نتوقع. فالأخطبوط معروف بقدرته على حل المتاهات والتعرف على أشكال محددة، مما يوحي بأن دماغه قادر على بناء صور ذهنية قد تظهر في شكل أحلام.
هذه الاكتشافات تطرح أسئلة فلسفية مثيرة: إذا كانت الكائنات البحرية تحلم، فهل تعيش عوالم داخلية غنية مثلنا؟ وهل الأحلام خاصية أساسية للحياة المعقدة، وليست مجرد ظاهرة بشرية؟ وإذا كان الأخطبوط يحلم فعلًا، فهذا يعني أننا لسنا وحدنا في تجربة ذلك “المسرح الليلي” المدهش الذي نسميه حلمًا.
الأمر الأكثر إثارة هو أن هذه الدراسات لا تقتصر على الأخطبوط فقط. بعض العلماء بدأوا يراقبون كائنات بحرية أخرى مثل الحبار والأسماك، وظهرت دلائل على وجود أنماط نوم مشابهة. وربما مع تقدم الأبحاث، سنكتشف أن المحيطات تعج بملايين الكائنات التي تحيا حياةً مزدوجة: نهارها في السباحة والبحث عن الطعام، وليلها في عوالم خيالية لا نراها.
في النهاية تبقى أحلام الأخطبوط لغزًا يفتح بابًا جديدًا لفهم الوعي والحياة. فإذا كانت هذه الكائنات البحرية تحلم، فهذا يدعونا إلى إعادة التفكير في علاقتنا بالعالم الطبيعي، وربما النظر إلى المحيطات لا كبيئة غامضة فقط، بل كعالم من العقول المتنوعة التي تشاركنا تجربة الحلم بطرق مختلفة.
اضافةتعليق
التعليقات