المسؤولية هي تكوين ذاتي خاص نحو الجماعة أو الجماعات التي ينتمي إليها الفرد، أي يكون الفرد مسؤولًا ذاتيًا عن الجماعة، بمعنى أنه مسؤول أمام ذاته، أو مسؤول عن الجماعة أمام صورتها المنعكسة في ذاته. وهي تُعبّر عن الاهتمام والفهم والمشاركة للجماعة، وتحمل المسؤولية؛ ويُقصد بها الممارسة الفعلية للمسؤولية الاجتماعية، فهي تبدأ بالمسؤولية عن النفس، ثم الأسرة، فالمجتمع المحلي، فالوطن، ثم العالم.
وتنمو المسؤولية تدريجيًا عن طريق التربية والتطبع الاجتماعي داخل الفرد؛ فهي اكتساب وتعلّم، ونتاج تفاعل مع الظروف والعوامل والمؤثرات التربوية والاجتماعية التي يتعرض لها الفرد في مراحل نموه المختلفة. ومن هذه العوامل والمؤثرات ما يساعد على النمو السليم للمسؤولية الاجتماعية، ومنها ما يُعيق نموها أو يُعطلها.
ويُفهم من مفهوم المسؤولية الاجتماعية أنها مسؤولية الفرد الذاتية عن الجماعة، أمام نفسه، وأمام الجماعة، وأمام الله تعالى. وهي شعور بالواجب الاجتماعي، والقدرة على تحمّله والقيام به. وتُعرَّف أيضًا بأنها المسؤولية الفردية عن الجماعة، أي أنها مسؤولية ذاتية تنبع من داخل الفرد، وتشكل التزامًا داخليًا خاصًا بالأفعال ذات الطبيعة الاجتماعية أو التي يغلب عليها التأثير الاجتماعي.
شروط المسؤولية الاجتماعية:
العقل: وهو القدرة على التمييز بين الأفعال الحسنة والسيئة. ويُستثنى من هذا الشرط الطفل الذي لم يبلغ سن الرشد، ولا تسمح مداركه بإدراك الخير والشر. كما تُستثنى الدواب والبهائم، لأنها فاقدة لهذه الخاصية (العقل)، ما يجعل المسؤولية ظاهرة إنسانية خاصة بالبشر.
الحرية: ويُقصد بها قدرة الفرد على القيام بالفعل بإرادته. ويُستثنى من هذا الشرط العبد أو من لا يملك القدرة على الفعل بحرية تامة.
تقسيمات المسؤولية الاجتماعية:
تنقسم المسؤولية الاجتماعية إلى خمسة مجالات أساسية:
مجال المسؤولية تجاه الذات: ويُقصد بها مسؤولية الفرد نحو نفسه.
مجال المسؤولية تجاه الأصدقاء والزملاء.
مجال المسؤولية تجاه الجيران والآخرين.
مجال المسؤولية تجاه المدرسة.
مجال المسؤولية تجاه الوطن والمجتمع.
المفاهيم المرتبطة بالمسؤولية الاجتماعية
وهي: الالتزام، الجزاء، الحرية. وهذه المفاهيم الثلاثة لا تنفصل عن بعضها؛ فإذا وُجدت المسؤولية، تلاها الالتزام والجزاء.
الالتزام: هو مصدر وقاعدة للمسؤولية، فالمسؤولية نتيجة للالتزام، وقيام الإنسان بمسؤولياته يعتمد على مدى التزامه بها، وعلى قوة هذا الإلزام التي تدفع الإنسان إلى الفعل والتطبيق. والالتزام في الإسلام ليس فيه إكراه، بل ينبع من مبدأ تكريم الإنسان على سائر المخلوقات.
الجزاء: هو النتيجة المترتبة على القيام بالمسؤولية. والمسؤولية والجزاء متلازمان، إذ إن وجود الجزاء يُعطي للأمر والنهي معنى وهدفًا مرجوًا. وللجزاء ثلاثة أنواع:
جزاء أخلاقي
جزاء قانوني
جزاء إلهي
وقد شُرع الجزاء لعلاج الطبيعة الإنسانية وتهذيبها، ولحماية الإنسانية والحفاظ على عقائدها، وحياة أفرادها، وأموالهم، وأعراضهم، ومشاعرهم، فهو يحقق المصلحة العامة.
الحرية: فالمسؤولية تُعد عاملاً ضابطًا للسلوك، لكنها لا تُقيّد الحرية، بل تكملها وتحدّدها. فالحرية بدون مسؤولية تُعد فوضى، والمسؤولية بدون حرية تُعد استبدادًا وعبودية.
أنواع المسؤولية الاجتماعية:
هناك مواقف يكون الفرد مسؤولًا فيها أمام نفسه فقط، ولا يُحاسبه القانون عليها، كأن لا يفي الفرد بوعد قطعه على نفسه. وهناك مواقف أخرى يكون الفرد فيها مسؤولًا أمام نفسه وأمام غيره، سواء من خلال العرف أو القانون أو الشرع.
وعليه، فإن المسؤولية نوعان:
مسؤولية أخلاقية:
يكون فيها الفاعل مسؤولًا أمام سلطة الضمير الأخلاقي، وهي ذاتية داخلية، أساسها النية. تُسمى أحيانًا "المسؤولية الذاتية" لأن مصدرها داخلي. وهي تتعلق بمساءلة الذات لنفسها عن سلوكٍ أو أداءٍ ما، ومدى توافقه مع معايير أخلاقية محددة.
مسؤولية اجتماعية:
يكون فيها الفاعل مسؤولًا أمام سلطة المجتمع، وهي خارجية موضوعية، تُقيّم على أساس نتائج الفعل. خصوصًا في المسؤولية المدنية، التي تُركز فقط على الضرر. وتُسمى أحيانًا "المسؤولية القانونية" لأن مصدرها خارج الذات.
رغم الفروقات بين المسؤوليتين الأخلاقية والاجتماعية، إلا أن العلاقة بينهما وثيقة:
يرى الأخلاقيون أن المسؤولية الأخلاقية أساسٌ للمسؤولية الاجتماعية، فلا يمكن للفرد أن يتحمل نتائج أفعاله أمام الآخرين دون شعور داخلي بالمسؤولية.
أما الاجتماعيون، فيرون أن المسؤولية الاجتماعية هي الأساس، لأن الشعور الأخلاقي (الضمير) هو نتيجة للتنشئة والتربية، وهذا يعكس الواقع الاجتماعي.
وبالتالي، فالمسؤولية الاجتماعية هي مساءلة الذات للذات عن حق الجماعة على الفرد: فهمًا، واهتمامًا، ومشاركة. وهي في جوهرها مسؤولية أخلاقية من حيث عناصرها، ومكوناتها، وبواعثها، ووجهتها، وغاياتها، ومعانيها.
اضافةتعليق
التعليقات