• الرئيسية
  • كل المواضيع
  • الاتصال بنا
facebook twitter instagram telegram
بشرى حياة
☰
  • اسلاميات
  • حقوق
  • علاقات زوجية
  • تطوير
  • ثقافة
  • اعلام
  • منوعات
  • صحة وعلوم
  • تربية
  • خواطر

على المحك

هدى تاج / السبت 27 كانون الثاني 2018 / حقوق / 2576
شارك الموضوع :

كانت الساعة قد تجاوزت الواحدة بعد منتصف الليل وهو مازال مستيقظاً وأجفانه المنهكة لم تلامس الرّقاد بعد.. کانت من أطول الليالي في حياته وأَشدّ

كانت الساعة قد تجاوزت الواحدة بعد منتصف الليل وهو مازال مستيقظاً وأجفانه المنهكة لم تلامس الرّقاد بعد.. کانت من أطول الليالي في حياته وأَشدَّها قسوة وإيلاماً لروحه وقلبه..

أخذ يطيل النظر في الساعة المعلقة أمامه ويلاحق عقاربها بتوجس وحذر، إذ لم يبقَ على طلوع الفجر إلا سويعات معدودة وهو لم يحسم قراره وأفكاره الهائجة التي لم ترسُ بعد في مرسى..

حاول أن يستعيد أحداث ما حصل اليوم ويقلِّب الأمر على عدة وجوه لعلّه يهتدي إلى حلّ سحري يريحه وينقذه من عذاب الوجدان.. كان قد فكّر كثيراً حتى أعياه التعب والأرق، إلا أنّه لم  يكن يدرك حجم الامتحان الصعب الذي يواجهه وهو الذي قد تجاوز امتحانات كثيرة في معترك حياته بجدارة ونجاح وتألّق، ولكن هذه المرة كان الأمر مختلفاً.

لكم كان من الذين يؤمنون بالمبادئ والقيم وضرورة أن يكون لكلٍ إنسان رسالة وهدف في هذه الحياة، حتى أنّه قضى جلّ عمره الذي لم  يتجاوز الثلاثين في خدمة الناس من حوله، ولم يتوانَ عن تقديم يد العون والمساعدة لكلّ من يطرق بابه.

تجرّع مرارة اليتم والحرمان وهو مازال يرتع في سنيّ الطفولة الأولى، بعد أن فقد والديه في سفرٍ أبدي لم يعودوا منه قط.

كانت سنوات الحرمان والفقد كفيلةً بجعله إنساناً تعيساً مكسور القلب مهيض الجناحين، إلا أنّ وجود جدّه بجانبه ذلك العود البري الصلب ودعمه المستمر له، خلق منه إنساناً سوياً مفعماً بالعطف والإنسانية. 

كان يكبر يوماً بعد يوم وفي نفسه تتنامى بذرة الرحمة والعطف على الأيتام، ودائماً ما كان يوليهم  الرعاية والحب والاهتمام حتى بات تأسيس دار للأيتام وكفالتهم حلماً لا ينفك يراوده في المنام واليقظة، وكان التحاقه بكلية الطب قد توّجَ أفعاله وكسا أعماله الخيرية بحلّة إنسانية قلّ نظيرها.

 كانت عيناه تلتمع ببريق غريب ونشوة عارمة تجتاح كيانه كلّما رسم في مخيلته مستقبله الواعد وهو لا يفتأ يعدّ الليالي والأيام لتحقيق أمنياته، وبالفعل كل شيء كان يسير وفق ما خطط له، فها هي أحلامه تتجسد أمامه حيّة تنبض بالحماسة، وها هو يوصل نهاره بليله بين المشفى ودار الأيتام التي لم يمرّ سوى بضعة أيام على افتتاحها.

كانت حياته تبدو متناسقة ومتناغمة كلوحة فنية رائعة خطّتها يد فنان بارع، إلا أنّ صروح أحلامه قد تداعت وتهدَّمت دفعة واحدة وهو الآن يبحث عن بقايا أحلامه وسعادته بين أنقاض نفسه المنهارة.

 لطالما كان سباقاً لفعل الخير وشغوفاً بإسداء المعروف لكل من يعرفه ولكن هذه المرة... قطع سيل أفكاره أنين جدّه الملقى بجسده الهزيل على السرير بجانبه، وهو يتلوى من الألم أثر سقوطه منزلقاً على أرضية الحمام، مما أدى إلى إحداث كدمات عديدة وكسر في رجله اليمنى وهو يحتاج الآن إلى الراحة التامة عدّة أشهر، حتى يتماثل للشفاء ويستردّ عافيته ليتمكن من المشي من جديد.

كانت خيوط الفجر الأولى تلوح في الأفق عندما ناول جدّه مسكِّناً علّه يخفف من حدة ألم رجله، وهو الآخر كانت روحه تعتصر ألماً وضياعاً وشتان ما بين ألم الروح وألم الجسد!

إنه يدرك تماماً مسؤوليته وواجبه، فهو الوحيد لجده، وهو لا يملك أحداً سوى هذا الحفيد حتى يقوم برعايته والاهتمام بأمره.

 إذن كان عليه أن يشطب قائمة أعماله في دار الأيتام ويلغي كل مشاريعه، حتى عمله في المشفى كان يجب أن يتخلى عنه ويتفرغ فقط لخدمة جده الذي لم يبخل عليه في تربيته وتنشئته. أخذ نفساً عميقاً علّه يستيقظ من هذا الصراع الناشب داخله، إلا أنه ارتدَّ بزفرة وآهة حزينة أرجعته إلى واقعه الضبابي.

إنه يعشق جده ويحترمه ويقدّر جهده وتعبه، كيف لا وهو الذي كان له أباً وأماً وأخاً إلا أنه الآن مشغول حد الثمالة، ومنغمس جداً في أعماله الخيرية ومساعدة الأيتام، ثم أن هناك الكثير الكثير من المرضى ينتظرونه وهم في أشد الحاجة إليه..

نعم إنه كرّس حياته لعمل الخير وخدمة الإنسانية ولكن ليس بهذا الشكل وبهكذا وقت.. كان مسترسلاً في تقديم تبريرات لنفسه عندما صفعه ضميره بسؤال ظل يتردّد صداه في روحه المعذّبة وسمع نفسه تلهج حائرة: أوليس جدك جزءاً من العالم الذي أقسمت ونذرت نفسك لخدمته، أليس جدك هو أول من أخذ بيدك وسار بك في طريق الخير والتفاني؟!.

غمرت أشعة الشمس أرجاء الغرفة وغمرت روحه دفئاً وطمأنينة وسلاماً.. أشاح بوجهه نحو جده وابتسامة رضا تعلو محيّاه وهو يتمتم مع نفسه: من الرائع يا جدي أن تكون ضيفي في المشفى وسأكون طبيبك وأنيسك إلى آخر عمري.

الانسان
الخير
مفاهيم
قصة
التفكير
القيم
شارك الموضوع :

اضافةتعليق

    تمت الاضافة بنجاح

    التعليقات

    آخر الاضافات

    ‏ ما بعد الرومانسية: اختيار يصنع العمر

    دخلاء العلاج الطبيعي.. بين وهم المعرفة وخطورة الممارسة العشوائية

    استراتيجيات التعايش الذكي مع التحديات الشخصية في العلاقات

    كيف تحمي نفسك من القاتل الصامت المسبب للسكتة الدماغية!

    عادة يومية توصلك للحياة الطيبة

    التفكير وعلاقته بحالتنا النفسية

    آخر القراءات

    من هم بني أمية عصرنا الراهن؟

    النشر : الأربعاء 18 ايلول 2019
    اخر قراءة : منذ 9 دقائق

    مواجهة الحياة تحت الوان.. اسود احمر ابيض

    النشر : الثلاثاء 08 آب 2017
    اخر قراءة : منذ 9 دقائق

    على ناصية الحلم.. أُقاتل

    النشر : الخميس 17 آب 2017
    اخر قراءة : منذ 9 دقائق

    قراءة في كتاب: رسائل من القرآن

    النشر : السبت 16 كانون الأول 2023
    اخر قراءة : منذ 9 دقائق

    عندما ننادي يا صاحب الزمان.. ثم ماذا؟

    النشر : الأربعاء 08 نيسان 2020
    اخر قراءة : منذ 9 دقائق

    المجاملة.. بين الكلام المعسول وتلطيف العلاقات بين الناس

    النشر : الأثنين 28 كانون الأول 2020
    اخر قراءة : منذ 9 دقائق

    الأكثر قراءة

    • اسبوع
    • شهر

    من درر شيخ الأئمة: "أن تنجو بنفسك… هو أرقى رد"

    • 541 مشاهدات

    مولد النور: في ذكرى البعثة المحمدية التي أنارت للبشرية الدرب

    • 478 مشاهدات

    الولادة النبوية.. رسالة كونية غيبية

    • 414 مشاهدات

    الإمام الصادق: رؤيته لقضايا المجمتع ومعالجة مظاهر الإنحراف

    • 368 مشاهدات

    محاولة الانتقال إلى الأفضل..

    • 359 مشاهدات

    علم الإمام الصادق: بين الوحي والاجتهاد

    • 334 مشاهدات

    بحر الزائرين: ذكرى استشهاد الإمام العسكري تعيد رسم خريطة الولاء في سامراء

    • 1194 مشاهدات

    الشورى: وعي ومسؤولية لبناء مجتمع متكامل.. ورشة لجمعية المودة والازدهار

    • 1160 مشاهدات

    الإمام الحسن العسكري: التمهيد الهادئ لعصر الغيبة

    • 1098 مشاهدات

    العباءة الزينبية: رمز الهوية والعفاف في كربلاء

    • 1083 مشاهدات

    اللغة الإنجليزية عقدة الجيل: لماذا نفشل في تعلمها رغم كثرة الفرص؟

    • 1065 مشاهدات

    مشاعرُ خادم

    • 664 مشاهدات

    facebook

    Tweets
    صحيفة الكترونية اجتماعية ثقافية بادارة جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية

    الأبواب

    • اسلاميات
    • حقوق
    • علاقات زوجية
    • تطوير
    • ثقافة
    • اعلام
    • منوعات
    • صحة وعلوم
    • تربية
    • خواطر

    اهم المواضيع

    ‏ ما بعد الرومانسية: اختيار يصنع العمر
    • منذ 16 ساعة
    دخلاء العلاج الطبيعي.. بين وهم المعرفة وخطورة الممارسة العشوائية
    • منذ 16 ساعة
    استراتيجيات التعايش الذكي مع التحديات الشخصية في العلاقات
    • منذ 16 ساعة
    كيف تحمي نفسك من القاتل الصامت المسبب للسكتة الدماغية!
    • منذ 16 ساعة

    0

    المشاهدات

    0

    المواضيع

    اخر الاضافات
    راسلونا
    Copyrights © 1999 All Rights Reserved by annabaa @ 2025
    2025 @ بشرى حياة