في تلك اللحظات التي تفتخر بنفسك، وتندهش من ذكائك، وكيف باستطاعتك أن تنجو من الحرام دون أن يشعر أحد بما تفعل، يكون الشيطان واقفًا في زاوية يصفّق لك ويشجّعك كي تخطو خطوة أكبر وأدهى من ذي قبل.
لذلك، كل خطوة تعين مستقبلنا، حتى وإن كانت صغيرة ولا تعني شيئًا لنا، ولكن لها أثرها الكبير في الكون، وسوف تعود لنا بقوة؛ فمن ينفخ نفخة سوف يحصد العاصفة عاجلًا أم آجلًا، وإنّ الله ليس بظلامٍ للعبيد، سيجني كل جانّ، وسيحصد كل حاصد ما زرع.
دخلت العجوز إلى محل صياغة الذهب، وأرادت بيع قرط واحد. صاحب المحل اغتنم كِبَر سنّ العجوز، واشترى القرط بمبلغ بخس، لأنه رأى أنّ المرأة لا حول لها ولا قوة، ولا تعرف ما سيجري. في تلك الأثناء كان يفتخر بنفسه ويفكّر ماذا يفعل بالمبلغ الذي كسبه، إذ أتى رسول من البيت يخبره بالمصيبة التي حلّت بالبيت. تسارع لينقذ نور عينه، وتسألهم عمّا جرى، ولكن دون جدوى. صوت الصراخ قد ملأ كل مكان، والجميع يدعو لشفاء ابنته الصغيرة التي رُفعت فوق الأيادي في حالة يُرثى لها. نقلوا تلك الطفلة المسكينة ذات التسعة أشهر إلى المستشفى.
وإذا بهم يُفاجَؤون بمرض مفاجئ، حيث طلب الطبيب أن تدخل الطفلة بسرعة إلى غرفة العمليات قبل فوات الأوان. في تلك اللحظات بدأ يفكّر مع نفسه: ماذا حصل؟ وإذا به يتذكّر العجوز والقرط، وظلمه لها. عاهد نفسه بأن يجدها ويعوّضها، وبانت آثار الندم على قلبه قبل وجهه. بين الندم والقلق سمع صوت الطبيب يقول: إن الطفلة هدأت، وهناك خطأ في الأمر، يجب أن نعيد التحاليل حتى نشخّص الحالة المرضية. وبعد إعادة التحاليل بشّرهم بأن هناك أمرًا ما قد حصل، وشُفيت الطفلة تمامًا ولا تحتاج إلى العملية بعد. سقط ممتنًّا إلى الأرض، وبدأ يشكر الله من أعماقه في سجدة خالصة.
بعد خروجهم من المستشفى ذهب يبحث عن العجوز هنا وهناك، ومن حسن حظه أنّه يعيش في محافظة صغيرة، يستطيع أن يبحث ويجد ما يريد بسهولة أكبر من المحافظات الكبيرة. العنوان كان في زقاق فقير. عندما وصل، دقّ الباب، وإذا بطفلة صغيرة تفتح الباب؛ طفلة جميلة ذات خمس سنوات، ذات شعر طويل وقرط واحد. قالت: «جدّتي، لقد أتانا ضيف يبحث عنكِ». وإذا به يرى في زاوية البيت رجلًا عجوزًا راقدًا يصارع المرض، وتبيّن أنّ هذه الطفلة يتيمة تعيش مع جدتها وجدّها المريض.
طأطأ رأسه بخجل، وبدأت آيات التوبة تُتلى في قلبه قبل لسانه.
ماذا فعلت يا رجل؟
أردت أن تأكل مال الحرام؟
انظر ماذا حلّ بك!
رجع القرط إلى أذن الطفلة، ودفع لهم مبلغًا من المال لأجل معالجة الرجل العجوز، وكفل هذه اليتيمة. وبعد ذلك كان يأتيه الرزق من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وشماله، وكان يذكّر نفسه بالصدق والأمانة في العمل، وعدم استغلال المستضعفين والمحتاجين.
يظنّ الإنسان أنّه يتمتّع بذكاء عندما يستغل عجز الآخرين، أو بطريقة ما عندما يحصل على ما يريد عن طريق الحرام وبسهولة فائقة، ولكن لا يعرف كيف يدفع الثمن باهظًا عندما يرجع أثر عمله وخيانته بقسوة إلى حياته، ويأخذ منه النفيس والغالي.
كما إنّ خطوة حسنة صغيرة نحو المسجد تتحوّل إلى خطوات أكبر، كتربية النفس والأولاد مثلًا، حيث يبارك الله في خطوات العبد. كذلك الخطوات السيئة تؤدي بصاحبها إلى النار والهلاك، فقد قال (عليه السلام):
«إِنَّ الحَرَامَ لَا يَنْمِي، وَإِنْ نَمَى لَا يُبَارَكُ لَهُ فِيهِ، وَمَا أَنْفَقَهُ لَمْ يُؤْجَرْ عَلَيْهِ، وَمَا خَلَّفَهُ كَانَ زَادَهُ إِلَى النَّارِ».
إنّ الحرام لا يصنع سعادة، ولا يبني مستقبلًا، بل هو نار مؤجّلة، قد تشتعل في الدنيا همًّا وقلقًا، وفي الآخرة حسابًا وعقابًا. فطوبى لمن طهّر كسبه، ورضي بالقليل الحلال، فذلك هو الغنى الحقيقي.








اضافةتعليق
التعليقات