الزواج الناجح هو الزواج الذي يحقق السعادة والسعادة لا تتحقق إلا بتعلم المهارات اللازمة لبناء علاقات مثمرة لذا أقامت جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية ورشة ثقافية بعنوان: "كيف تحقق زواجاً سعيداً"، مع الأخصائي النفسي من السعودية ناصر الراشد، في يوم 9 ربيع الثاني 1447 الموافق 2025/10/2.
وقد شهدت الورشة حضورًا مميزًا من النساء المتزوجات والمقبلات على الزواج، وسط تفاعل فكري واسع، حيث تناول اللقاء أعمق المفاهيم المتصلة ببناء السعادة الزوجية، وإرساء أسس التفاهم والاستقرار بين الزوجين في ظل المتغيرات المتسارعة للعصر الحديث.
قدّم الورشة الدكتور ناصر، المتخصص في العلاقات الأسرية، الذي استهلّ حديثه متمنيًا أن تكون الورشة زادًا معرفيًا للحاضرات، مؤكدًا أن مهنة الإرشاد الأسري ليست حديثة العهد، بل كانت موجودة منذ القدم من خلال تجارب الأجداد وحكمتهم، حيث كانت الأسر الممتدة آنذاك مصدرًا ناضجًا للتجربة والخبرة، مما جعل الصراعات والضغوط أقل حدّة مقارنة بزمننا المعاصر.
أشار الدكتور إلى أن التغيرات الاجتماعية والفكرية الراهنة أضعفت الخبرات الحياتية لدى كثير من الأزواج، مما جعلهم في مواقف حرجة تهدد استقرارهم الأسري. ومن هنا أكد أن تثقيف الفرد ليس رفاهية، بل ضرورة وجودية تتطلبها طبيعة العصر. فالأسرة المستقرة تساوي مجتمعًا آمنًا، والأسرة الواعية تساوي وطنًا متينًا.
وأثبتت الدراسات أن شخصية الإنسان تتكوّن من داخل أسرته، وأن الأسرة هي الحاضنة الأولى التي تصنع ملامح وعيه واستقراره.
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي:
بيّن الدكتور أن السوشيال ميديا أصبحت من أكثر العوامل تشويشًا في صناعة المفاهيم الأسرية، إذ تأخذ بعض النساء ما يُنشر فيها كحقائق مطلقة دون تمحيص، مما يؤدي إلى قرارات غير ناضجة وسلوكيات تُفضي إلى فشل العلاقة الزوجية.
وأشار إلى أن أول خطوات السعادة تبدأ من الوعي بالذات، وأن المرأة الواعية هي التي تعرف متى تعطي، ومتى تتراجع، ومتى توازن بين قلبها وعقلها.
تحدث الدكتور ناصر بإسهاب عن عظمة دور المرأة ومسؤوليتها الكبيرة في استقرار الأسرة، موضحًا أن الأمومة ليست مجرد وظيفة، بل رسالة إنسانية مقدسة، وأن بعض النساء وللأسف، تخلّين عن شعور الأمومة الفطري لصالح رغبات زائلة، فتبدّل الحنان المجبول على العطاء إلى انشغال مؤقت لا يورث إلا الندم.
وأكد أن وراء كل أسرة مستقرة امرأة ناضجة وواعية، وأن الأبناء المتفوقين هم ثمرة آباء وأمهات أسوياء يحملون في قلوبهم الحب والحكمة.
كما ذكر الدكتور أن الزواج ليس حدثًا عابرًا في حياة الإنسان، بل هو أعظم عقد إنساني، وأقدس ميثاق، وصفه الله تعالى بـ الميثاق الغليظ.
وأوضح أن الزواج السعيد لا يكون صدفة، بل يحتاج إلى استعداد، وتأمل، وخبرة، وفهم متبادل بين الزوجين. فالزواج الناجح قائم على التفاهم، أما الزواج الناجح والسعيد فهو الذي يجمع بين التفاهم والتواصل الدائم، وتبادل السلوكيات الإيجابية التي تُبقي العلاقة حيّة ودافئة.
وبيّن أن الأزواج السعداء غالبًا أكثر توازنًا نفسيًا لأنهم يشبعون حاجاتهم الفطرية التي أودعها الله في الإنسان: الحاجة إلى الحب، والأمان، وتحقيق الذات، والتقدير، والانتماء، والحاجة الجسدية كذلك.
كما أنه اشار إلى نقطة محورية عن تحقيق الذات للأب أو الأم وقال إن تحقيق الذات لهم يظهر حين يرون أبناءهم متفوقين في دراستهم، ناضجين في فكرهم، مؤثرين في مجتمعهم، ملتزمين بدينهم، مشبعين بالقيم والثقافة. فذلك هو أسمى ما يمكن أن يحققه الإنسان في رحلة الحياة.
أسباب المشاكل الزوجية:
أشار الدكتور إلى أن كثيرًا من الخلافات تبدأ من عدم الإيفاء بالوعود الأولى؛ حيث يرفع أحد الطرفين سقف التوقعات في فترة الخطوبة، ثم يتراجع بعد الزواج، فتُصاب العلاقة بخيبة الأمل.
واقترح أن يبدأ الزوجان حياتهما بوضوح وصراحة مكتوبة، يضع كلٌّ منهما احتياجاته وتوقعاته وأولوياته على الورق، بدلًا من الانتظار والظنّ. فالحب لا يقرأ الأفكار، بل يُترجمها إلى كلمات صادقة.
المسؤوليات وتوزيع الأدوار:
ركز الدكتور على أن هناك بعض النساء يتحملن مسؤوليات كثيرة يُفترض أن تكون على عاتق الزوج، بدافع الشعور الداخلي بالرغبة في المسؤولية، غير مدركات أن هذا التحمل المفرط يؤدي في النهاية إلى الانفجار النفسي والإرهاق العاطفي.
وأكد أن على المرأة أن تؤدي واجباتها بوعي واتزان، وأن تساند زوجها دون أن تنتزع أدواره أو تتكفل بأعبائه، فلكلٍّ في الحياة مسؤوليته الطبيعية التي تحفظ التوازن الأسري.
التنازلات المتكافئة:
إن الزواج الناجح هو الذي يكون هدفه واضحًا، معنويًا، روحانيًا، واجتماعيًا، وأن تحقيق هذا الهدف يتطلب تنازلات متكافئة من الطرفين؛ فلا يُرهق أحدهما الآخر بتنازلات غير منصفة.
كما أشار إلى أهمية بقاء شيءٍ من القلق الجميل في العلاقة، لا بمعنى الخوف، بل الإحساس بالمسؤولية، حتى يبقى كل طرف حريصًا على الآخر.
لغة الحب والاهتمام:
بيّن الدكتور أن بعض النساء لا يحتجن الكثير من الكلمات أو الهدايا، بل وردة تُهدى في الصباح كفيلة بأن تُنعش العلاقة وتجدد دفء المودة.
ودعا الأزواج والزوجات إلى تبادل عبارات الثناء والاحترام، وإظهار الصفات الجميلة في بعضهم، فذلك يُعمّق الألفة ويقوّي الروابط.
وذكر الدكتور مثالًا عمليًا حين جاءه زوجان يريدان الانفصال، فأعطى لكل منهما ورقة وطلب أن يكتب صفات الطرف الآخر الإيجابية. وبعد أن انتهيا، اكتشف كل منهما أن الآخر يحمل من الجمال والصفات الطيبة ما لم يكن يراه من قبل. فقال لهم:
"لا تعتادوا على حياتكم حدّ البلادة، اكسروا النمط، راجعوا أنفسكم، فكل علاقة قابلة للإنعاش إن وُجدت النية والمعرفة."
الوعي الذاتي قبل الارتباط:
شدد الدكتور على أهمية أن يراجع كل إنسان ذاته قبل الزواج، فيسأل نفسه: ما المهارات التي تنقصني للتعامل مع الطرف الآخر؟، فالعلاقة الزوجية لا تُبنى على النقص، بل على الاكتمال الداخلي والنضج العاطفي.
وقال: "عالج نفسك أولًا، ثم ابدأ حياتك. فالبيت السليم لا يُبنى على قلبٍ مكسور."
بعض الأزواج يتصرفون بانفعالية حين يشعرون بنقصٍ ما في العلاقة، فيبحثون عن التوازن بطريقة خاطئة. غير أن العلاقة الزوجية لا ينبغي أن تُبنى على مبدأ تبادل المنافع أو أداء الواجبات، بل على الإحسان الذي يسمو فوق الحسابات، وعلى الرحمة التي تُنعش الروح قبل الجسد.
فالحياة المشتركة ليست ميدانًا للمطالبة، بل ساحة للعطاء الطوعي والمبادرات الصادقة. أن تُقدّر شريكك، أن تُعينه، أن تُلقي كلمة طيبة تُشبه البلسم على قلبه فذلك من أسمى صور الإحسان، "فالكلمة الطيبة صدقة"، وأكد على اهمية "المعاشرة بالمعروف" فهي عنوان السكن والمودة، و"ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف" فهذا ميزان العدل الإلهي في أقدس الروابط الإنسانية.
واختُتمت الورشة بتأكيد الدكتور ناصر على أن الزواج الناجح والسعيد ليس حظًا ولا مصادفة، بل هو ثمرة وعيٍ، وصبرٍ، وتبادل محبةٍ صادقة.
ودعا الحاضرات إلى بناء بيوتٍ عامرة بالمودة والاحترام، وإلى أن يكنّ سفراء وعيٍ في مجتمعاتهن.
وفي ختام التقرير، تؤكد جمعية المودة والازدهار استمرارها في تقديم مثل هذه الورش والفعاليات الثقافية التي تُسهم في نشر الوعي الأسري، وتعزيز ثقافة السعادة الزوجية، وبناء مجتمع متماسكٍ، إنسانيٍّ، ومتوازنٍ.
فالمعرفة في هذا الميدان ليست رفاهية فكرية، بل هي رسالة حياة تُسهم في صنع الغد الأجمل، وترميم العلاقات، وبناء أجيال تُؤمن أن الحب الواعي هو أرقى أشكال العبادة الإنسانية.








مركز المستقبل
مركز الفرات للدراسات الستراتيجية
مركز ادم
مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث
وكالة النبأ
اضافةتعليق
التعليقات