نظنّ أن الأشياء تحدث صدفة، ولكن هذا العالم الذي تتشابك فيه الخيوط الدقيقة للأحداث، يمكن لنَفَسٍ واحدٍ أن يُحرّك الأبدية، حيث يتجلّى مفهوم تأثير الفراشة؛ ذلك الفعل الصغير الذي يُحدث في مجرى الحياة زلزالًا من التغييرات غير المتوقعة.
نجد العالم مليئًا بالأحداث، وهنا، في عمق التاريخ والوجدان، ترفرف فراشة كربلاء… السيدة زينب (عليها السلام)، تلك المرأة التي لم يكن صوتها إلا نفحة إيمان، فإذا به يهزّ عروش الظالمين، ولم تكن خطوتها إلا وجعًا في طريق الأسر، فإذا بها تفتح دروب الحرية للأجيال.
لقد علّمتنا السيدة زينب (سلام الله عليها) أن الفعل الصغير، إن خرج من قلبٍ مؤمن، قادرٌ على أن يُغيّر وجه التاريخ، وأن كلمة لن نُذلّ يمكن أن تصنع ثورة تمتدّ إلى آخر الزمان. وهكذا يصبح تأثير الفراشة الزينبية رمزًا خالدًا لكل من يؤمن أن الإيمان، مهما بدا بسيطًا، يمكن أن يعيد للحياة معناها، وأن كلمة حقٍّ في وجه الظالمين تهدم أركان الكفر.
كانت كلماتها كجناح فراشة في عاصفة الظلم، يستهزئ الجميع بها، ولكن بعد مرور مئات الأعوام نرى تأثير تلك الرفرفة كيف بقي في العالم، وفتح عيون الباحثين عن الحق كي يستيقظوا ويتحرّكوا بحثًا عن العدالة.
ولِمَ يُقال قانون أثر الفراشة وليس أثر الصقر أو أثر البومة أو مثال آخر؟
لأنّ الفكرة لا تتعلّق بالقوة أو الحجم، بل بالرقة والصِّغَر والدقة في التأثير.
جميعنا نتذكّر تلك اللحظات التي كنّا نأخذ فيها الفراشة في أيدينا كي نتمتّع بجمالها، ولكن سرعان ما كانت تفقد الحياة ويتهشّم جناحها في قبضة يدنا، لأنها خُلقت صغيرة وضعيفة، لكن جناحيها الخفيفين قادران — وفقًا لنظرية علمية — على إحداث تغيّر بسيط في حركة الهواء، وهذا التغيّر قد يتضخّم بمرور الوقت فيؤدي إلى إعصار في مكان بعيد!
إذن، جمال الفكرة في المفارقة: شيء صغير جدًا يُحدث نتيجة عظيمة جدًا.
أما الصقر أو البومة فهما رمزان للقوة أو الحكمة، وتأثيرهما واضح ومباشر، بينما تأثير الفراشة خفيف وغير مرئي لكنه عميق، تمامًا مثل تأثير الكلمة الطيبة، أو الموقف الصادق، أو دمعة السيدة زينب (عليها السلام) التي بدت بسيطة، لكنها حرّكت ضمائر الأجيال.
وهذه الرؤية واضحة في جميع الكتب السماوية، والقرآن الكريم يشير في مواضع متعدّدة إلى هذا المفهوم:
﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى﴾.
كلّ شيءٍ يحدث بسببٍ، وهناك رفرفات صغيرة أدّت إلى ما نحن عليه اليوم.
لذلك، فإن هذا القانون يجعلنا نتمعّن في خطواتنا وأفعالنا، وحتى في أفكارنا ونيّاتنا. الإيمان بالغاية يجعلنا ندرك أن كلّ شيءٍ قابل للتغيير مهما بدا صعبًا أو مستحيلًا، كما قالت مولاتنا زينب (سلام الله عليها) للإمام السجاد (عليه السلام) عند وقوع تلك المصائب والمجازر:
“لا يَجزَعْنَك ما ترى، فوالله إن ذلك لعهدٌ من رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى جدّك وأبيك وعمّك، ولقد أخذ الله ميثاق أناسٍ من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض، وهم معروفون في أهل السماوات، إنهم يجمعون هذه الأعضاء المقطّعة والجسوم المضرّجة فيوارونها، وينصبون لهذا الطف علمًا لقبر أبيك سيد الشهداء، لا يُدرس أثره، ولا يُمحى رسمه على كرور الليالي والأيام.”
أثر رفرفة الفراشة لا يُمحى، بل يبقى ما بقي الدهر…
فلنرفرف مع أهل الحق، ولننطق بالحق، ولنردّد:
اللهم عجّل لوليّك الفرج، واجعلنا من خير أنصاره والمستشهدين تحت لوائه، كي ننطلق مع قافلة النور بنداء الحق كما ردّدت سيدة كربلاء: يا لثارات الحسين.








اضافةتعليق
التعليقات