من قلب الولادة تهاليلُ أبدى صداها الإعجاب، لبزوغ النور الزينبي، وبشارةٍ من عبق الشرع والتأييد الإلهي للبيت العلوي. سيدةٌ سماها الجليل زينب، هي الشجرة الجميلة المثمرة، اعتنق شذاها شمائل النبوة.
ومن الولادة إلى الشهادة، عفافٌ قدّره صبرٌ معتَّق بالأزل، اختاره الله سبحانه ليرتقِيَ بلاغةَ الحياة ويُكمل به أسرار علمه.
إن الله اختصَّ من عباده من هم أهلٌ لذكره، وحَمَلةُ كتابه، وجعلهم أئمةً يهدون بأمره. فارتقى لشجرة طوبى عبادًا صلحاء قد أيّدهم الله من عليائه، ورفعهم مكانًا عليًّا، يستوعبون البلاء ويرضَون بالقضاء، واتبعوا بيت العصمة أهل العباء، لأنهم الكساء المخلّد في الأرض والسماء، ومنهم زينب الكبرى.
السيدة زينب هي السرور الذي تجلّد بالانتظار، هي رُبّان سفينة الديار وطريق المغامرة، هي الرسالة التي زلزلت صدر خاتم الأنبياء وأهدته دموعًا ورثاء، هي الهتاف المسمّى من عنق السماء، هي الفرحة التي غمرت فم الرسالة وألبستها جواهر الأتقياء.
زينب هي الربيع الذي تغنّى بسُهوله، وخُتِم على حقوله جنّةً غراء، وأعطته طعمًا مثابرًا متفكِّهًا بسحر البيان.
يعزّ على القلب ذكراها وممشاها وصبرها الأواب.
زينب تعني ولادة الفكرة، وخطاب السيف في وجه الأدعياء، لأنها عين الولاية، ووصيّة السماء لبيت العترة أن سموها زينب، فهي زينة أبيها، ورحمة جدّها، وسندُ أخويها الحسن والحسين، عليهم جميعًا أزكى الصلوات.
في شخص السيدة زينب معاجزُ ارتضتها خلودُ الشريعة، ولُقِّبت بعقيلة الأوفياء، فكانت الكتاب الذي تكلّم بمنطق الحكمة وبيان التاريخ.
اجتمعت فيها صفاتُ الحُسناء، وجمالُ بصرها وبصيرتها، وتفرّقت عنها نفوسُ الظلم وقاماتُ الجهلاء.
إن نطقت فبخُلق أمها تعفّفت حروفها، وإن واجهت فبفصاحة أبيها أفرغت.
امتلكت الصبر، وبالصبر تمجّدت، التحفت حجاب الدين، وبهمّتها تخلّد الحجاب.
أليست هي الفاهمةَ والعالمةَ وقد أيّدتها عالميةُ العصمة بالحديث، وكثرت بحقها جمالية النصوص؟
فهي أنسُ الزهراء البتول، وبسمةُ عليٍّ فحلِ الفحول، وبهجةُ البيت النبوي الميمون.
السيدة زينب هي العباءةُ المعتَّقةُ الخالدة، يهابها القلمُ، إن افترى عليها انكسر، وتقطّعت أوتاره ولا يُذكَر.
هي العبادة الممتدة على عرش الوجود حتى اعتلت منارتَها أنوارٌ متعاقبةٌ أدمنها تأريخُ الوجود.
هي الساجدة على أديم الموت، ومن دموعها صُنِع للحزن جلباب، وعانقت فؤاد العرش وسجدت تعبّدًا ورِقًّا.
هي زمزم اليابسةُ ورواؤها، وحضارةُ المنبر وروادها.
لا تكتمل مكتبةُ المقالات والأقوال إلا برثائها، لأنها ثنائيُّ المسير.
على ذمتها قامت وقعدت الأفعال، فكيف يذوق الحرفُ طعمَ الاكتمال إن لم يتربَّ من أحضان كمال السيدة زينب ومعطيات آثارها؟
أعطت الكثير من حياتها، وغذّت العقولَ من نمير إدراكها وتعقّلها.
لم ترتبك مفاصلُها يومًا من أحداث وجع الطريق، وقد وهبها الله تعالى عصمةً تتكلم بالنبأ العظيم، وسخّر لها شموليةَ الخدمة من الإنس والملائكة وإن بَعُدَ المدى، وحباها نورًا تجلّى في أدوارها، فترجم ذلك في مواقفها الخالدة.
إن ذكر السيدة زينب عليها السلام مرهونٌ بتجلّيات الخالق لخلقه في أن يُخلِّد ذكرَها، لأنها الحقُّ المتكلِّم، والناطقُ المتكرِّم، والشاهدُ المنتقِم على من آذى بيت العترة النبوية.
هي الدوحةُ الهاشمية، والدرّةُ المحمدية، والناطقةُ العلوية، بها استتمّ الزحفُ الحسيني، وعلى أقتاب دعوتها استُنهضت الثغور، واعتمرت المساجد، وتأسست العلوم ومناهجها، واتسمت بالصحوة حتى كانت الواجهةَ المتقدةَ بالنور الخالد والسيف الراجح.
السيدة زينب عليها السلام صبغت الفكرةَ العلويةَ بالتحدي، وألبستها ثوبَ الاستغراق، وأعطتها وصفًا خاصًا وبصمةً امتزجت بالدم والدموع، وجعلت من خطوات العصمة ثباتًا مختلفًا لا يتوقع الرجوعَ أو الزعزعةَ أبدًا.
فكلّ خطوة تتوَّج بالندرة، لا تذبل أمام الأزمات، بل تبني محطاتٍ انتقالية عامرةً بالوعي والتقوى، وتتولّى رعاية الجيل الناشئ.
إن نهضةَ السيدة زينب تركت انطباعًا أزليًّا لجيل الغد، وعمّرت بيتَ التوفيق وأهدته للأجيال الشابة التي يعتمد عليها الإسلامُ المحمدي، لأن قائم السيف وثقافةَ التدوين تحتاجان إلى عقلٍ مدبّرٍ ويدٍ مكافحةٍ وأكتافٍ تتحمل ثقلَ الرسالة.
فالهمّة لا تكتفي بالنوايا فقط، بل بسواعد متقدة عامرةٍ بالقوة، نقيةٍ طاهرةٍ بعيدةٍ عن المفاسد ولباس الذل، ليبقى الإسلامُ يافعًا متجددًا لا يصيبه الصدأُ والهوانُ والكسل.
إن تمامَ النعمة أن يستشعر المؤمنُ الموالي مقاماتِ القدوة الصالحة، ويستحضرَ السرورَ والفرحةَ لهم، لأنها من ولائيات المهتمّ والمتتبّع لخطواتهم وآثارهم، لأنهم الذكرُ الدائم، والعلمُ القائم، والنفحةُ الطيبة، والمنحةُ المطعَّمةُ بالشفاء، فهم أولو النِّعَم.








اضافةتعليق
التعليقات