هل نحن أحرار فعلًا؟
سؤال بسيط في ظاهره، لكنه حين يُقال بصوتٍ صادق، يصبح سكينًا يشق طبقات الوهم التي نعيشها. نحن نتحدث كثيرًا عن الحرية، نرفعها شعارًا في أحاديثنا، نكتبها في سيرنا الذاتية، ونؤمن أننا نملكها.
لكن حين ننظر بعمق، نكتشف أننا نعيش في قيودٍ أنيقة سمّيناها “حرية”
نستيقظ كل صباح على صوت المنبّه، لا لأننا نريد، بل لأننا “يجب أن نذهب”.
نغادر بيوتنا، نختبئ خلف ملامحٍ مرهقة، ونتحرك ضمن جدولٍ لا نكتبه نحن، بل تكتبه الحياة عنا. نعيش كما لو أن الوقت يملكنا، لا كما لو كنا نحن من نملكه.
نضحك ونحن منهكون، نُجامِل ونحن متعبون، نركض ونحن لا نعرف إلى أين.
تحدث معي أحد الأطباء ذات يوم، كان صوته متعبًا كمن يحمل العالم على كتفيه.
قال لي: خرجتُ الساعة السابعة صباحًا لإجراء العمليات، وبعدها انتقلت إلى العيادة لاستقبال المرضى، وعدتُ إلى المنزل عند الواحدة بعد منتصف الليل.
لم أتعشَّ، لم أتحدث مع أحد، فقط نمتُ من شدة الإرهاق.
وعندما أغمضت عيني، تساءلت: هل أنا حر؟
وإن كنت حرًا، كيف لم أفعل اليوم شيئًا واحدًا أرغب به؟”
كلماته بقيت في ذهني، لأنها ببساطة تختصر واقعًا نعيشه جميعًا. نحن لسنا أسرى السجون، بل أسرى التكرار. أسرى العمل، والمكانة، والخوف من الفقد، والخضوع لعجلةٍ لا تتوقف. سجننا ليس له جدران، لكنه يحيط بنا من كل اتجاه.
نظنه حياةً طبيعية، لكننا في الحقيقة نعيش في نظامٍ مغلقٍ من الواجبات، ندور فيه كعقارب الساعة: لا تتوقف، ولا تصل. حتى الحرية التي نتحدث عنها ليست سوى وهمٍ مريح.
نقول: “نختار”، لكن خياراتنا محددة سلفًا بما يفرضه الواقع. نقول: “نعمل لنعيش”، لكننا نعيش لنعود إلى العمل.
حتى حين نحصل على وقتٍ لأنفسنا، نحمله بقلقٍ وكأننا نرتكب خطأً. نحن نُساق كل يوم بملء إرادتنا نحو نفس الطريق، نكرر ذات الأفعال، نُقنع أنفسنا أن هذا هو المعنى. لكن في الحقيقة، نحن فقط نحافظ على توازن السجن كي لا ينهار.
السجين الحقيقي يعرف أنه محبوس، أما نحن فنحيا داخل السجن وننكر وجوده. نضع لأنفسنا أهدافًا كي ننسى القيود، ونسمي تعبنا “نجاحًا”، وانطفاءنا “نضجًا”. الحياة لا تسرقنا، نحن من نسلمها المفاتيح كل صباح.
نفتح الباب، ندخل طائعين، نبدأ الدوران من جديد، ثم في نهاية اليوم، نغلق الباب خلفنا ونقول لأنفسنا:
"هذا هو الواقع."
لكن الحقيقة الأعمق؟
أننا لسنا أحرارًا كما نُحب أن نصدق...
نحن فقط نرتدي قيودنا بثقة، ونمضي نحو اللاشيء بابتسامةٍ تُقنِعنا أننا أحياء.
اضافةتعليق
التعليقات